لا أدري هل تشوشت الرؤية لهذه الدرجة لدى مناوئي الشعر الحر؟! أم هو تأثير التاريخ الذي خلق لديهم العاطفة نحوه؟
أقول ذلك وما قصدت به تفنيدا لوجهات نظر.. أو انتقاداً لآراء.. وإنما أردت أن أناقش هذا الموضوع بما رأيته صواباً.. أو طريقاً إلى الصواب.. أردت أن أناقش بتواضع وهدوء، أولئك الذين يرون في حركة الشعر الحر بادرة شر على لغة الضاد.. وأن المقصود من ورائها هدم ذلك التراث المجيد.
فأسأل: ما هو التطور، وماذا نقصد به؟
ليس المقصود به دفن الماضي بين أنقاض التاريخ بل على العكس من ذلك.. فالمقصود هو جعل ذلك الماضي وذلك التراث أساساً متيناً يقوم عليه جوهر هذا التطور.
فأولئك حينما أخذوا في أخراج شعرناً المقفى بثوب جديد هو «الشعر الحر» سميناهم مجددين.. وما التجديد إلا ضرب من التطور ان لم يكن هو بعينه.. ولكن هناك من ثار على هذا التجديد بفعل العاطفة التاريخية.. أو أنهم سيقوا إلى هذا التجديد فأبت نفوسهم العالية أن تكون تابعة لثلة من الشباب الواعي.. فوصموا المجددين بأنهم دعاة إلى هدم كيان التاريخ المشرق.. وسحق التراث..
وزعموا أنهم كسالى وضعاف الملكة الشاعرية بحيث إنهم سعوا إلى التخلص من قيود القافية.. على أني أقول لهؤلاء.. وإنما أنتم الذين أخطأتم حينما ظننتم أن احترام التراث والتاريخ هو في تجميدهما.
ثم ان الذي يسعى إلى التجديد ويتحمل في سبيل ذلك جل المصاعب وجميع المتاعب ليس بالكسول والذين لا يريدون شعراً إلا المقفى.. ويمقتون التجديد فيه اعتبروا التراث حقيقة لا تتبدل مهما تبدلت المفاهيم.. واتسعت المدارك وتعاقبت العصور.. وما نحن الآن في حياتنا الاجتماعية والفنية والاقتصادية والسياسية إلا في أم عين التطور.. وما زلنا مستمرين في السير على هذا الطريق حسب ما تفرضه علينا طبيعة زماننا.
فلماذا نسقط حق الشعر فقط من أن يأخذ حقه من هذا التطور؟
|