خاطرة أولى
أنت متهم في «إحساسك»..متهم في «إرادتك»..متهم في «رجولتك» متهم في «إدراكك.. متهم في «آدميتك»..
ومن حقك أن تدفع هذه التهمة عنك.
أما الصمت.. فإنه قبول.. والقبول معناه الاعتراف.. والاعتراف معناه العجز.. والعجز يعني «ناقوس خطر» يرن في أذنيك.. يستفز ذاتك.. يحرك فيها كوامن الرجولة وطموحات المستقبل..
ذلك أن كل من يتحدثون عن الشباب.. يلتمسون مبررا بعدم ثقة القطاع الأهلي فيه وانصرافه عنه وتكريسه للعمالة الوافدة في أعماله والثقة بها وفتح جميع الأبواب المغلقة أمامها..
أما كيف ترد.. أما كيف تدفع التهمة.. أما كيف تقول: إن واقعك مغاير لكل هذا.. فإن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالاعتراف بأوجه القصور في حياتك.. في طريقتك في التفكير.. في عدم تفكيرك خارج نطاق رغباتك.. وتصوراتك «الهلامية».
إن صناعة المستقبل.. من أخطر المهام التي لا تتوانى الأجيال في التصدي لها.. والاضطلاع بها.
غير أن ذلك لا يمكن أن يتحقق بالصدفة..
فالمستقبل لا يأتي للناس..
والفرص الحياتية.. الثمينة لا تهبط عليك «في الظروف العادية دون عناء..
ذلك أن الناس هم الذين يركضون وراء المستقبل.. والفرص الحياتية لا تتحقق إلا في ضوء التعب و«العناء» و«المشقة»..
وعندما يتحدث البعض عن قصور الشباب.. عن تهالكه.. عن عدم جديته لمواجهة أعباء المستقبل.. للمشاركة في صنع قرارات حياته أو على الأصح في اتخاذها.. يدل أن يتركها للصدفة.. ولاختيارات الآخرين..
عندما يتحدثون بمثل هذه الصورة «المؤلمة» فإنهم لا ينطلقون في ذلك من فراغ. ولا يصدرون أحكاماً جزافية وإنما يفعلون ذلك بعد سلسلة من الاختيارات لقدرات الجيل.. لسلوكياته لأنماط تعامله مع المسؤولية.
ولولا أن المحصلة سلبية.. ولولا أن الواقع غير مريح.. لما كان هذا الاتهام ولما كان ذلك الانطباع «الأسود».
إن الإجابة العملية والتصحيح الفعلي لتلك المقولات.. والتصرف السليم لتغيير ذلك الانطباع هو بتأكيد وجودك.. بإثبات كفاءتك بتفانيك.. بتأكيدك أنك الأجدر بأن تملأ الفراغ.. وتحل محل غيرك.
إن الاتهام.. قاس.. ولذلك فإن الرد لا يجب أن يكون مزيداً من الشكوى والألم وإلقاء للوم على الآخرين فقط..
خاطرة ثانية
فارق كبير بين أن تعيش حياتك.. كما تريد.. أنت أو أن تعيشها كما يرد كل من حولك..
هذا الفارق يأتي من أن الإنسان يعيش خيارا صعبا بين أن يتكيف مع ما يريد الآخرون.. أو أن يعيش حياته بصورة مطلقة ودون أية حسابات مسبقة.. ودون أي عناء بسبب المواءمة بين ما يريد هو.. وما يريد الآخرون منه..
أنت تعيش لنفسك.. لأنك لا تريد أن ترتهن للآخرين أو ترتبط بهم.. أو تجعل حياتك في أسرهم.
وأنت تعيش لنفسك.. لأنك غير مستعد للتكيف الارغامي لسبب بسيط هو أنك قد لا تكون مستعداً للاستجابة لما يريد غيرك أو التقيد بما يفكرون.
وأنت تعيش حياتك بحرية لأنك ترفض أن يحكم تصرفاتك شعور الآخرين نحوك.. أوتدخلهم المباشر أو غير المباشر في حياتك..
لكنك لا تستطيع أن تسلم كثيراً.. من السنة الناس.. من نزعاتهم.. ومن تخيلاتهم.. ومن افتراءاتهم في بعض الأحيان..
ذلك أن الناس تعودوا أن يحشروا أنفسهم في حياتك.. أن يسمحوا لأنفسهم بالوصاية عليك.. للتدخل في شؤونك الخاصة، بل وتوجيه حياتك وتفكيرك ومسلكك ان استطاعوا.
يحدث هذا في الوقت الذي يرفض الناس أن تمارس نفس الحق تجاههم.. أن تتدخل في شؤونهم.. أن تقول «لا» لما لا يعجبك في تصرفاتهم..ان تنتقد سلوكهم.
يرفضون ذلك في الوقت الذي يسمحون فيه لأنفسهم باقتحام حياتك.. والتلصص عليك.. وقذفك بالمشين من التهم وخلع أسوأ الصفات عليك..
ومن عجب أن الإنسان يدرك حقيقة هذه المفارقة.. يدرك أنه يضع نفسه «باستمرار» في موقع متهما.. بل انه لا يتردد في أن يقذف غيره بجميع التهم.. ويسمح لنفسه بأن تصدر أعنف الأحكام على غيره.. لكنه لا يسمح لأحد بأن يحاكمه.. أن يتهمه.. أن يرفض ممارساته..
إن الحقوق واحدة.. فما هو متاح لي.. متاح للآخرين وما هو ممنوع عني.. ممنوع عن الغير أيضاً.
لكن أن يصبح الأمر عكس كل هذا فذلك شأن الأنانيين من البشر شأن الذين يريدون كل شيء لهم.. ولا يتركون لغيرهم شيئاً.. إذا تنازلوا فإنهم يتركون لهم الكفاف.
والأعجب من كل هذا.. أن القبول بالأشياء والرفض لأشياء أخرى يصبح مسألة دقيقة تخضع لحالة الإنسان.. لمزاجه لانفعالاته العاطفية.. حتى استغنى حتى إذا نال كفايته حتى إذا حصل على كل ما يريد أعطي ظهره لكل ما لا يريد وتلك مشكلة الإنسان.. في كل الأزمنة.
خاطرة أخيرة
الذين يركضون خلف «الذات» ينساقون خلف كلمة «نفاقية» تقال..
يعميهم ضوء الكلمات تأسرهم شرائح الثناء و«لمعان» القشور الذين تملكهم كلمة «جبانة» يحسبونها ميزانا يجعل كفة حياتهم ترجع على كفة كل الكون.. والعظمة والأنواء يحسبونها بطاقة مرور يقدمونها عند «بوابة» التاريخ.. وهي ليست إلا ورقة خريف.. عبث الدود فيها ولفح الأيام المجذبة.. الذين تجعلهم «بسمة».. سخيفة.. ساذجة فقيمة.. يقفون.. ليقولوا بملء فيهم حروفا «تقطر» بكل رعانات العالم وسخافات الأيام.. فوهم الذي تغرس فيه الكلمات.. الصادقة أشواكها فلا يستطيعون السير فوق ممرات العالم «الموجوع».. الذين لا يقوون على المواجهة.. مواجهة الواقع الذي يرسم ملامحه على وجوههم فتطفح بكل السطحيات.. وأوبئة الاندساس.. الواقع الذي يصهرهم.. يسحبهم من أقصى ساعاتهم «المملوءة كذبا وضياعا.. وجبنا لا يستطيع إلا أن يجعلهم يسمعون الكلمات التي تلمع.. والبسمات التي ترضعهم بماء التدليس..
إلى كل هؤلاء المنتشرين في كل ركن من أركان الحياة.
إلى كل هؤلاء.. أقدم كلمة عزاء فقط.. فكلمات المواجهة لا تجدي معهم.. بل إنها ستزيدهم.. مرضا.. وأوراما.. وضياعا الأيام وحدها هي التي تستطيع أن تقتلع تلك «المرايا» التي تندس في عروقهم.. ومحاجرهم ومضاجعهم هي وحدها التي تستطيع أن تجعلهم يصحون على ضراوة الواقع ولهيب الصراحة التي لا ترحم الجبناء.. الصراحة التي يستمد الأقوياء منها قوتهم.. وتدير رؤوس الجبناء.. فلا يدرون أين كانوا وأين يكونون وهي التي ستخبرهم أين سيكونون.
فاصلة
كالصفعة حين تخط على وجه «الأوباش» حكايات الزمن القادم من خلف الأنواء.. كالصفعة حين تكون.. كالصفعة حين تدمر الأشواق الجبناء.
كالصفعة يوم ينساب من الأبواب يحدث.. يصرخ.. يصهل يخبر «كيف تكون نهايات الأشياء».
|