Friday 21st november,2003 11376العدد الجمعة 27 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حُسن الخُلق حُسن الخُلق
عبدالله بن سليمان الخضيري

الخلق ثمرة، فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، وإذا ذكر الله المتقين في القرآن وصفهم بأحسن الأخلاق وبرأهم من النفاق وسيىء الأخلاق، فهم أصحاب الإنفاق ومعاملة الخلق بالإحسان والعفو، وهم الذين يكظمون الغيظ ويصفحون فيجمعون بين بذل الندى، واحتمال الأذى، قال الله تعالى:{وسّارٌعٍوا إلّى" مّغًفٌرّةُ مٌَن رَّبٌَكٍمً وجّنَّةُ عّرًضٍهّا السَّمّوّاتٍ والأّرًضٍ أٍعٌدَّتً لٌلًمٍتَّقٌينّ><133> الذٌينّ يٍنفٌقٍونّ فٌي السَّرَّاءٌ والضَّرَّاءٌ والًكّاظٌمٌينّ الغّيًظّ والًعّافٌينّ عّنٌ النَّاسٌ واللَّهٍ يٍحٌبٍَ المٍحًسٌنٌينّ><134>} [آل عمران]، ولقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين التقوى وحُسن الخلق في قوله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن.. رواه أحمد والترمذي. معرفة الحقوق لأصحابها فهو تخلق بالفضائل، وترك للرذائل، فصاحب الخلق الحسن يبذل المعروف، ويكف الأذى، ويحسن إلى عباد الله بالقول والفعل، يأمر بالمعروف والبر وينهى عن الإثم والمنكر، يعذر الجاهل، ويحلم على المسيء ويصبر على الشدائد والنوائب، عنده من الشجاعة المنضبطة، والعدل والصفة والثقة بالله سبحانه ما يعينه على مواجهة النكبات والأزمات. وفي كتاب الله أمر الله محمداً صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق في آية جمعت مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب قال تعالى:{خٍذٌ العّفًوّ وأًمٍرً بٌالًعٍرًفٌ وأّعًرٌضً عّنٌ الجّاهٌلٌينّ><199> وإمَّا يّنزّغّنَّكّ مٌنّ الشَّيًطّانٌ نّزًغِ فّاسًتّعٌذً بٌاللَّهٌ إنَّهٍ سّمٌيعِ عّلٌيمِ><200>} [الأعراف]. ولقد كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً ويكفي شهادة رب العالمين سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {وإنَّكّ لّعّلّى" خٍلٍقُ عّظٌيمُ><ه4ه>} [القلم] . وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان خُلقه القرآن.. فكان يأتمر بما أمره الله وينتهي عما نهاه الله، فصار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجية له وخلقاً مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم كالحياء والشجاعة والصفح والكرم وكل خلق جميل، كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط (أفٍ)، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا..، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً.. متفق عليه. وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله تعالى..، وعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بُرْدٌ نجراني غليظ الحاشية (أي ثوب خشن) فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد اثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك ثم أمر له بعطاء.. رواهما البخاري ومسلم. الله أكبر على هذا الخلق العظيم وهذا الحلم والصفح الذي لا يستطيعه كافة البشر وصدق الله العظيم، حيث يقول: {فّبٌمّا رّحًمّةُ مٌَنّ اللَّهٌ لٌنتّ لّهٍمً ولّوً كٍنتّ فّظَْا غّلٌيظّ القّلًبٌ لانفّضٍَوا مٌنً حّوًلٌكّ فّاعًفٍ عّنًهٍمً واسًتّغًفٌرً لّهٍمً وشّاوٌرًهٍمً فٌي الأّمًرٌ} [آل عمران: 159] إن أفضل ما أعطي المرء الخلق الحسن فهو خصلة عظيمة لا تتم التقوى إلا بها ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن.. فجمع بينهما لأن كثيراً من الناس يظن أن التقوى هي القيام دون حقوق عباده، وقد يغلب على من يعتني بالقيام بحقوق الله، والانعكاف على محبته، وخشيته وطاعته، اهمال حقوق العباد بالكلية أو التقصير فيها، والجمع بين القيام بحق الله وحق عبادة عزيز جداً لا يستطيعه إلا الكُمل الفضلاء من الأنبياء الصديقين، بما ذكر ذلك الله وجب هذا - ولمكانة حُسن الخلق رتب عليه من الأجر والثواب ما يحفز أصحاب الهمم العالية للتسابق عليه. فحُسن الخُلق من أسباب دخول الجنة، فلقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: «تقوى الله وحُسن الخلق».. وصاحبه أكمل إيماناً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم..». رواه الترمذي. بل قال صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن ليدرك بحُسن خلقه درجة الصائم والقائم».. رواه أبو داود، وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، (والزعيم هو الضامن، والمراء هو الجدال وربض الجنة ما حولها)، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه». رواه أبو داود.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved