قبل أكثر من عشر سنوات كانت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة تطالعنا بأخبار التفجيرات والاعتداءات التي أصابت بعض البلدان العربية، والتي كانت تستهدف في غالبها الأجانب المتواجدين على أراضي تلك البلدان، كنت أشعر باستغراب كبير وأنا أقرأ تلك الأخبار، خاصة وأن من ضحاياها مواطنين أبرياء لاذنب لهم، كانت علامات الدهشة ترتسم علي كيف يخرب إنسان بيته ووطنه الذي عاش فيه..؟ لم أكن أتصور ولو مجرد تصور أو خاطرة عابرة أن يحدث في يوم ما في بلدي مثل تلك الأعمال..!! وهذا الاستغراب أجزم أنه كان يمثل هاجسا عند كثيرين، وهو بتصوري ماجعلنا نغض الطرف عن إجراءات الوقاية خوفا من أن نصاب بما أصيبت به تلك المجتمعات، ربما استفدنا منهم آلية التعامل الأمني للقضاء على الظاهرة، ولكن هذا أتى (بعد) وجودها، بينما الأهم من وجهة نظري أن نبحث معهم عن العلاج (فكريا) للوقاية من هذه الأحداث..!!
فمهما كانت الأسباب والمبررات فإن تلك الأفعال تبقي خارجة عن سياقها الشرعي ولن تمثل حلا لمشكلة أو قضاء على خلل يتصوره منفذو تلك الأعمال.
التفجيرات الأخيرة التي شهدتها بلادنا حفظها الله من كل مكروه لايمكن بأي حال من الأحوال أن تخدم سوى هدف وحيد وهو تقديم صورة مشوهة ومرعبة لكل من ينتمي لهذا الدين الإسلامي الحنيف، وليس أدل على ذلك إلا الخسائر المتلاحقة التي شهدتها الأمة الإسلامية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، سواء فيما يتعلق بفناء دول أو القضاء على منظمات وهيئات كان لها جهد كبير وفاعل في الدعوة إلى الله وإغاثة المحتاجين والفقراء في أرجاء العالم، ومن يتأمل الشراسة الصهيونية في هذا الوقت ضد أخواننا الفلسطينيين من قتل وتخريب وتدمير سيعود بالذاكرة لما قبل أحداث سبتمبر بوقت قصير وبخاصة في مؤتمر دوربان الذي شهد أقوى إدانة للعنصرية الصهيونية المتمثلة في إسرائيل وحليفتها الرئيسية أمريكا وسيعلم حينئذ أن تلك الأحداث التي عدها منفذوها جهادية لم تفد الإسلام بشيء بل ألحقت الضرر به بشكل يفوق كل تصور. وقبل أيام كنت أطالع خبر مطالبة الحكومة الألمانية بإغلاق أكاديمية الملك فهد ببيرن تلك التي عم خيرها كثيرين ممن أبصروا الدين الإسلامي من خلالها، ومثلها كثير من المنظمات الإسلامية، وشواهد الخسائر التي جنتها أمثال تلك الأعمال أكثر من أن تحصر في مقال..!!
هذه التفجيرات لايمكن أن تصدر إلا من فئة ضلت طريق الحق واتبعت أهواء مضللة لاتستند فيما تقوله لمنطلقات شرعية ثابتة منتهجة التأويل واعتساف النصوص بغية تنفيذ أغراض وأهداف لايفرح بها سوى أعداء الإسلام، وهذا يقودنا للتساؤول عن الأسباب التي جعلت أولئك ينجرفون نحو هذا التيار المنحرف والخطير، وأزعم أننا شئنا أم أبينا كنا جزءا من سبب تنامي هذا التيار وخروجه من حيز (الرأي) إلى واقع (التدمير)..!!
وحينما أقول (كنا) فإن هذا لفظ يطال جميع أفراد المجتمع من مسؤولين وعلماء وإعلاميين وأفراد مجتمع.
والمشكلة التي أتصور أنه كان لها اليد الطولي في ظهور أمثال أولئك المندفعين المفجرين بأرواحهم وأرواح آخرين، هي في غياب المرجعية التي تنال ثقة الجميع واطمئنانهم، وهذا الغياب مرده إلى أننا سمحنا بقصد أو بدون قصد في التشكيك في النوايا ومحاكمة الآخرين من منطلق ظنوننا، فمنذ سنوات خلت كانت المعارك أخف ثم بدأت تزداد يوما بعد يوم، فتفرق أصحاب المنهج الواحد لفرق وأحزاب متنافرة تصل في أحيان لحد التكفير والعياذ بالله، وما ذلك إلا بسبب التعصب لشخص بعينه والكيد للآخرين بتتبع أخطائهم وزلاتهم وقسر النصوص قسرا للاستدلال على أنهم مخطئون ومخالفون، حتى أصبح (أهل السنة والجماعة) لفظا يحوي عشرات الفرق والأيدلوجيات المتناحرة المتنافرة، وكل ذلك يأتي في ظل صمت ممن يفترض فيهم التدخل لمعالجة الأمر من كبار العلماء الذين يحظون بتقدير من الجميع ولو تدخلوا في بدء الخلاف لما نما وتعاظم، أضف إلى ذلك أن المرجعية الأكبر والأقدر على حسم الصراعات وهي هيئة كبار العلماء كان ينبغي على هؤلاء أن تكون مرجعاً لهم بحكم أنها الأساس المتين الذي يجمع شملهم ويقضي على خلافاتهم، وذلك بما تملكه من آراء سديدة للحؤول دون تنامي الخلافات من خلال جمع المتخالفين ومنح كل فئة الفرصة لعرض أقوالها وخلافاتها وتصحيح المفاهيم الخاطئة والقناعات المخالفة لتعاليم الإسلام.
أسأل الله عز وجل أن يحفظ بلادنا من كل مكروه ويديم علينا نعمة الأمن والأمان وأن يحفظ لنا شبابنا ويبعدهم عن الأفكار الهدامة والمبادئ المهلكة، وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم.
|