Friday 21st november,2003 11376العدد الجمعة 27 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إنهم يسعون في الأرض فساداً إنهم يسعون في الأرض فساداً
د. ناصر بن محمد المنيع(*)

إن المجتمع الإسلامي حقاً، هو الذي يكون اجتماعه والتفافه وترابطه على أساس الإيمان بالله ورسالاته والعمل وفق محبته ورضوانه، فتكون بذلك علاقة افراده قائمة على أساس الاخوة في الله، وما تقتضيه هذه الاخوة من التراحم والتعاطف والتكاتف والنصرة والموالاة، والفرد الصالح لبنة في هذا المجتمع، وعضو في هذه الأمة، يؤمن بالله ويسخّر حياته كلها من أجل دينه، ويحب الخير للناس جميعا، فهو بار بوالديه، واصل لرحمه، نافع لجيرانه، متعاون مع اخوانه، كاف شره عن الناس، قد سَلِم الناس من لسانه ويده، وائتمنوه على حرماتهم وأموالهم وأعراضهم ودمائهم.
إن هذا المجتمع الإسلامي بالصفات التي أشرت إلى شيء منها، وذاك الفرد الصالح بصفاته الإيمانية، يمثّل في حقيقته مجتمعنا في هذه البلاد المباركة، اجتماع على الخير، وتعاون على البر والتقوى، والتفاف حول ولاة الأمر، وافراده في جملتهم يتدثرون بدثار الإيمان، ويتوشحون برداء التقوى والصلاح، في صدق وإخلاص، بعيداً عن التضليل والنفاق، والخيانة والشقاق..
ولئن شذ من شذَّ عن هذه القاعدة من شرذمة ضالة مضلة تنكبوا الصراط المستقيم، وأغواهم الشيطان الرجيم، وقادهم إلى ضلالهم فهمهم السقيم، وحقدهم وحسدهم على ما تنعم به البلاد من أمن وارف وخير عميم.. أقول: إن هؤلاء الطغمة الفاسدة، والنبتة الخبيثة الذين قاموا بالعمل الاجرامي الشنيع بتفجير المجمع السكني بالرياض مؤخراً، الذي يؤوي بين جنباته اخوة مسلمين، وقوما معاهدين، لهم حق الأمن والأمان.. إن من قاموا بهذا العمل بعيدون كل البعد عن تعاليم الإسلام وأحكام القرآن، هؤلاء الذين يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، هؤلاء الخوارج الذين يسعون في الأرض فسادا.. لم يراعوا حرمة الشهر الكريم شهر رمضان، لم يراعوا حرمة سفك دم المسلم والمعاهد، قتلوا النساء والأطفال والشيوخ والكهول، وقضوا على أسر بكاملها، ودمروا الممتلكات. أوليس الحق تبارك وتعالى يقول: {$ّلا تّقًتٍلٍوا پنَّفًسّ پَّتٌي حّرَّمّ پلَّهٍ إلاَّ بٌالًحّقٌَ} ويقول: {إنَّ پلَّهّ لا يٍحٌبٍَ پًمٍعًتّدٌينّ}..


يا من تستر بالظلام لقيتَ بؤسا
ولقيت قارعة الأسى ولقيت ذلا
أيكون تهديمُ البيوت على الضحايا
في ليلة من شهرنا الميمون حلاًّ

نعم.. إن هؤلاء هم من وصفهم المصطفى بالتظاهر بالإسلام، وهم أبعد ما يكون عنه.. روى الإمام أحمد من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج قوم في آخر الزمان حدثاء السن، وقال «أحداث» يقولون من خير قول الناس، يقرأون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فمن أدركهم فليقتلهم، فإن في قتلهم أجراً عظيماً عند الله»..
وروى الإمام أحمد أيضاً من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج من أمتى قوم يسيئون الأعمال، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يحقر أحدكم عمله مع عملهم، يقتلون أهل الإسلام، فإذا خرجوا فاقتلوهم، فطوبى لمن قتلهم، وطوبى لمن قتلوه..».
إن هذه الفئة المجرمة قد ضلت ضلالا بعيدا، وارتكبت جرما خطيرا، وجلبت لبلاد العقيدة والتوحيد شرا مستطيرا.. فماذا يريد هؤلاء الفسقة المارقون، وخفافيش الظلام البائسون، ولمصلحة من يعملون هذه الأعمال الإجرامية..
أسئلة لابد لها من إجابة واضحة..
نعم اخوة العقيدة انهم يريدون بجريمتهم الشنعاء زعزعة الأمن وحصول الاضطراب والفوضى، وترويع الآمنين ونشر الرعب بين المواطنين والمقيمين، وشق عصا الطاعة، وتصديع الصف، وزرع بذور الفتنة، والشقاق، وبلبلة الأفكار، حقدا وحسدا من عند أنفسهم:
حسدوا الفتى إذ لم يكونوا مثله
فالناس أعداء له وخصومُ
ولكن خاب وخسر مسعاهم، وانى لهم وما يريدون ويخططون، فهذه البلاد بحمد الله في أيد أمينة، وهي محفوظة بحفظ الله لها بحوله وقوته، وأهلها متآلفون متكاتفون مع ولاة أمرهم، ينعمون بنعمة الإسلام وتحكيمه، وبنعمة الوحدة والاجتماع على الخير والهدى.. ولن تكون هذه الفاجعة وما سبقها سببا في تعكير تلك الأجواء الآمنة المطمئنة، بل هي في واقع الأمر تزيد من التلاحم والتعاون، والحرص على حفظ الأمن في المدن والأحياء والقرى والهجر والمزارع والمنتزهات والاستراحات، من أن تكون هذه المواقع ملاذاً للعابثين ومأوى للفسقة والمجرمين..
إن هؤلاء الشرذمة الضالة، والفئة الباغية يعملون لمصلحة أعداء الإسلام وهم بعملهم هذا يخدمون أغراضهم، ويحققون أطماعهم، ويلحقون أكبر الأذى والضرر بالدين الإسلامي الحنيف، ويعملون على تشويه صورة الإسلام وتأجيج مشاعر العداء والتحامل ضد المسلمين.. هذه الخدمة التي يقدمها هؤلاء القتلة على طبق من ذهب لأعداء الدين، جاءت نتيجة الانحراف الفكري، والجهل الشديد بكثير من حقائق الشرع وأحكامه وسلوك مسلك الغلو والافراط، الذي استحكم على عقولهم، وأعمى أبصارهم، وطبع على قلوبهم، فصار الحق بالنسبة لهم ما تمليه عليهم ضمائرهم المريضة، وأهواؤهم المنحرفة.
ردّ الله كيدهم في نحورهم، وحفظ الله المسلمين من شرورهم، ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
(*) وكيل كلية الشريعة للدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة الإمام

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved