الاستاذ عبد الله بن بخيت، تحية طيبة، وبعد:
بعد قراءتي مقالك المعنون ب«حتى لا تنتصر الكراهية» اهدى اليك بعض الملاحظات سعيا لبيان الحق، فأقول:
1- نتفق جميعا على ان استهداف الآخرين في هذه البلاد بالتفجير والتدمير عمل غير صالح، بل هو اعتداء على امن البلاد اولا وانتهاك لجملة من المحرمات، وقد اصدر العلماء والدعاة والمربون قرارات الشجب لها والتنديد بها، وهؤلاء هم خيرة هذه البلاد نشأوا فيها وتعلموا من مناهجها وتخرجوا في مدارسها وجامعاتها، فلا ادري أكانت المناهج التي يدرسون والمعاهد التي تخرجوا فيها غير تلك التي درسها وتخرج فيها منفذو التفجيرات.
2- واذاً فتعصيب الجناية بالمناهج ووسائل التوجيه والتربية حكم لا دليل عليه ودعوى لا بنية لها، ولا يحسن بأصحاب الاقلام الواعية ان تستفزهم الاحداث فيلقون باللائمة على ما ليس بملوم، ويلبسوا الجريمة من هو بريء منها.
3- نعم، تعلمنا ولا نزال - بحمد الله - نتعلم ان المؤمن أخو المؤمن وان على المؤمن ان يحب اخوانه المؤمنين من اي جنس كانوا ويسعى في مصالحهم، وان الكافر ليس أخا لنا ولا يستحق محبتنا، لكن تعلمنا الى جانب ذلك ان الكافر في بلادنا له حقوق معروفة ولا يجوز الاعتداء عليه ولا اخذ ماله ولا اذيته بحكم العهد الذي بيننا وبينه بل فوق ذلك يجوز لنا بره والاحسان اليه.
والنصوص الشرعية من الكتاب والسنة في ذلك صريحة لا مجال للإفاضة فيها، وحسبك قوله تعالي: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وهي عقيدة «الولاء والبراء» التي لا يخلو منها ديوان من دواوين الاسلام في الفقه والحديث والتفسير فلا يليق بنا - بعد ذلك - ان نتنكر لهذا الاصل العظيم ونبرزه في قالب «الكراهية للآخر» او «الارهاب» او «التعصب» فضلا عن ان نرد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة كقوله «لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام اذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم الى اضيقه» او فتاوى علماء هذه البلاد بتحريم السفر الى بلاد الكفار الا لحاجة.
4- واذا كان ديننا هو الدين الوسط الذي لا افراط فيه ولا تفريط فينبغي ان تكون علاقاتنا بالآخرين موزونة بميزان الشرع الحنيف، نحتفظ بمبادئنا ونستمسك بأصولنا بكل عزة وافتخار لا نداهن ولا نلين لان الله تعالى كتب العزة لمن استمسك بهذا الدين، وفي ذات الوقت لا ننغلق عن الآخرين بل نأخذ بمعطيات الحضارة ونسخرها لنفع البشرية جمعاء، وحينئذ فلا يصح ان نقول انه لا يوجد الا فكر متسامح «كما عبرت في مقالك» وفكر منغلق متعصب فهناك النموذج الوسط الذي اشرت اليه وهو ما يصبو كل داعية ومخلص لهذه الامة لايجاده.
5- واذا وجدت في مجتمعاتنا الاسلامية فئات من الناس تحمل مبدأ العنف في التغيير، فلا يصح بحال ان نعمم ذلك على كل ماهو «ديني» او «اسلامي» ومن الفداحة بمكان ان نقول : هؤلاء نتاج المناهج التي تدرس في بلادنا مع انها تدرس منذ عشرات السنين، فلِمَ لم تظهر ثمارها «حسب هذه النظرية» الا في ايامنا القريبة؟
6- وأخيرا اقول: بدلا من كل هذا الطرح لم لا نشخص المشكلة بكل تجرد مراقبين في ذلك ربنا المطلع على سرائرنا وظواهرنا شاعرين بمسؤوليتنا امام أمتنا ونجتهد في طرح الحلول الايجابية، ووضع الخطط التربوية الصحيحة لكل انحراف وشطط، لمَ لا نكف عن ترديد ما تروج له وسائل الاعلام الغربي ومن دار في فلكها من تشويه صورة الاسلام والمتمسكين به، وان نعيش لتحقيق اهدافنا السامية، لا ان نكون أداة في ايدي الآخرين يحققون اهدافهم من خلالنا.
ومن أعماقي اتمنى لكل مخلص لهذا الدين واهله وبلاده النصر والتسديد.
يوسف بن عبد الرحمن القاضي
عنيزة ص.ب 1601
|