إن هذه الطائفة الزائغة المجرمة التي لم تراع حرمة المكان ولا قدسية الزمان فخرجت عن الطاعة وفارقت الجماعة وقتلت المسلمين والمعصومين وروعت الآمنين وأتلفت الأموال والممتلكات وآذت المسلمين والمسلمات فإنه لا مجال للتحدث إليهم ولا حوار معهم ولا يكون التعامل معهم إلا من جنس عملهم فكما تدين تدان والبادئ أظلم.
وهذا هو الذي دل عليه كتاب الله عز وجل وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة رضي الله عنهم:
(الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى ..) (البقرة:194)
(وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ..) (النحل:126)
(وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى:40)
وأما سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهي صحيحة صريحة في كيفية التعامل مع هذه الفئة الآثمة والعلاج المناسب لها وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وفيما يلي بعض ما ورد في هذا الباب:
1- قال البخاري رحمه الله: باب قتل الخوارج والملحدين بعد اقامة الحجة عليهم ثم روى عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة» الحديث رقم 6930.
ورواه مسلم في باب التحريض على قتل الخوارج برقم 1066، وأبو داود في باب في قتال الخوارج برقم 4767، وابن ماجة في باب ذكر الخوارج برقم 168، والنسائى في باب من شهر سيفه ثم وضعه في الناس برقم 4107 رحمهم الله.
2- قال مسلم رحمه الله: باب ذكر الخوارج وصفاتهم ثم روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة الرجل الذي اعترض على قسمة الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: «إن من ضئضئ هذا قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» الحديث رقم 1064.
ورواه البخاري برقم 3344، وأبو داود في باب في قتال الخوارج برقم 4764، والنسائي في باب من شهر سيفه ثم وضعه في الناس.
3- قال أبو داود رحمه الله: باب في قتال الخوارج ثم روى عن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية لا يرجعون حتى يرتد على فوقه، هم شر الخلق والخليقة طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله تعالى منهم...» الحديث رقم 4765.
قلت: تأمل ما اشتملت عليه هذه الأحاديث من وصف مطابق لهذه الفرقة المنحرفة وكأنه يراهم رأي العين صلى الله عليه وسلم وهذا من دلائل نبوته فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ثم تأمل كمال نصحه صلى الله عليه وسلم لأمته حيث بيَّن لها حال هذه الفرقة المارقة أتم البيان وأوضحه وما يجب عليهم تجاههم وما لهم من الأجر في ذلك ولا قول لأحد مع قوله ولا أنفع منه فهو الناصح الأمين الذي ما ترك خيراً إلا دلنا عليه ولا شراً إلا حذرنا منه.
4 - قال مسلم: باب ذكر الخوارج وصفاتهم ثم روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تمرق مارقة في فرقة من الناس فيلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق» الحديث رقم 2460.
هذا وقد كان ذلك سنة 37هـ عندما خرجوا على الخليفة الراشد علي رضي الله عنه فقاتلهم في موضع يقال له «النهروان» وقال فيهم: لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل. رواه مسلم برقم 2467.
قال ابن حجر: وكانوا يقال لهم القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه ويستبدلون برأيهم، فتح الباري /354/12.
وقد ذكر ابن كثير خبرهم مطولاً في البداية والنهاية في حوادث سنة 37هـ وقال رحمه الله:
ولما قتلهم قال الناس: الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي قطع دابرهم، فقال رضي الله عنه، كلا والله إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء.
وصدق رضي الله عنه فقد روى ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«ينشأ نشء يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قطع، قالها أكثر من عشرين مرة، حتى يخرج في عراضهم الدجال» رقم 174،
5- وقال ابن ماجة: باب في ذكر الخوارج ثم روى عن أبي غالب عن أبي أمامة رضي الله عنه يقول:
«شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء، وخير قتلى من قَتلوا، كلاب أهل النار...» قال أبو غالب: يا أبا أمامة هذا شيء تقوله، قال: بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث رقم 176.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وقد روى مسلم أحاديثهم في الصحيح من عشرة أوجه وروى هذا البخاري من غير وجه ورواه أهل السنن والمسانيد وهي مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم متلقاة بالقبول أجمع عليها علماء الأمة من الصحابة ومن اتبعهم واتفق الصحابة على قتال هؤلاء الخوارج. الفتاوى 35/55. وبعد فإن الحزم مع هذ الطغمة الضالة هو مقتضى الشرع كما سبق بيانه، وهو مقتضى العقل فإن التساهل معهم يحملهم على التمادي في غيهم وقد يغتر بهم من سواهم، ولا بد من قطع دابر الشر وحسم مادة الخلاف بلا هوادة. أسأل الله عز وجل أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وان يوفق ولاة أمرنا لكل خير.
عيد العيسى
|