بات الإرهاب كالعُقدة التي تزداد تعقيداً بشد طرفي الحبل والولايات المتحدة الأمريكية تشد طرف الحبل وفق معادلتها الشاملة لمكافحة الإرهاب التي لم تتغير منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومن يعتقد أن مجاهل المعادلة أكثر من معالمها مخطئ، وقد بدأ حل المعادلة لمكافحة الإرهاب العالمي من أفغانستان وانطلق إلى العراق ومن ثم الضغط على سوريا وإيران وفلسطين.
والتضخيم الأمريكي لخطر النظام العراقي وأسلحة دماره الشاملة على السلام العالمي وفشل هذا النظام في رد العدوان يذكرنا بقصة الثعلب والطبل حيث روي أن ثعلباً أتى غابة فيها طبل معلق على شجرة، وكلما هبت الريح على أغصان تلك الشجرة حركتها فضربت الطبل فسمع له صوت عظيم باهر فتوجه الثعلب نحوه لأجل ما سمع من عظيم صوته فلما أتاه وجده ضخما فأيقن في نفسه بكثرة الشحم واللحم فعالجه حتى شقه فلما رآه أجوف لا شيء فيه قال لا أدري لعل أفشل الأشياء أجهرها صوتا وأعظمها جثة، وفشل النظام العراقي في الدفاع عن العراق يكمن في أنه لم يع درس التاريخ جيداً (بعد أن حول العراق إلى سجن كبير) في أننا لم نسمع قط عن سجين يدافع عن زنزانته، وفي السؤال عن سبب غزو الأمريكان للعراق ما زال الجواب التقليدي هو تحرير المنطقة والشعب العراقي من خطر نظامه ونشر الديمقراطية فيها وأما الدافع التقليدي الخفي هو التحكم بصنبور النفط حيث يتوقع تقرير وكالة الطاقة الدولية الأخير أن الطلب العالمي على النفط سيقفز أكثر من 50% بحلول عام 2030م ونظراً لوجود الاحتياطي الهائل في منطقة الشرق الأوسط فإن حصة منتجيه ستقفز أيضا إلى 44 في المائة من الانتاج العالمي.
ويكمن الخيط المفقود في عدم تناغم شكل عملية التحرير الأمريكي للعراق مع مضمونها في المعايير المزدوجة للسياسة الأمريكية في المنطقة وذلك في ظل قدرة اللوبي الصهيوني على شل الحركة السياسية الأمريكية في واشنطن باتجاه العدالة.
قدم الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطابه قبل أيام في «المعهد الكوني لنشر الديمقراطية» وجهة نظره لمكافحة الإرهاب وهو الدعوة إلى اصلاحات ديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، قائلا إن «الحرية يمكنها أن تكون مستقبل أي أمة»، وقال إن الديمقراطية ستمتد من طهران إلى دمشق ولا سيما أن أوتاد «الديمقراطية» مرتفعة الآن خصوصا في العراق وحذر من أن «الفشل في تحقيق الديمقراطية في العراق سيشجع الارهابيين عبر العالم» وأن الاستقرار لا يشترى على حساب الحرية، وقد أشار إلى أن طريق السلام في قضية فلسطين هو طريق الديمقراطية، وقد قدم الكواكبي قبل قرن من الزمان وصفته العلاجية هو الآخر بطريقة أكثر وضوحا حين وضع ثلاث معادلات قائلا: إن الأمة التي لا تشعر بالحرية لا تستحقها، وإن التغيير يتم بالتدريج واللين، وإنه ليس المهم استبدال الحاكم بل فرملته، وإنه ما لم يكن البديل جاهزا فلا معنى للتبديل، (فننتقل من الديكتاتورية الى الفوضى وهذا ما يحصل في العراق حاليا).
لا بد من توضيح الرؤية للعالم في أن سبب اخفاقنا يكمن في الشعور بالعجز واليأس وقد نوه لذلك رئيس وزراء ماليزيا السابق محمد مهاتير قبيل تركه السلطة: «نحن نضحي بالأرواح بطريقة غير ضرورية وبدون تحقيق أي شيء أكثر من جلب قدر هائل من الانتقام والاذلال، لكننا نقف ضد أناس يفكرون، فاليهود تمكنوا من البقاء على الرغم من المذابح المنظمة التي ارتكبت ضدهم لأكثر من 2000 سنة لا عن طريق رد الضرب بالضرب بل عن طريق التفكير.. نحن لا نستطيع أن نحاربهم بواسطة العضلات فقط. علينا أن نستعمل عقولنا أيضا كما قال أنا لن أحصي حالات إذلالنا. نحن كلنا مسلمون. نحن كلنا مظلومون.. اليوم نحن جميعا كمسلمين نعامل بقدر من الازدراء والمهانة.. وهناك شعور باليأس منتشر بين البلدان المسلمة وشعوبها. فهم يشعرون أنهم لا يستطيعون أن يقوموا بأي شيء صحيح.. ورد فعلنا الوحيد هو أن نصبح غاضبين أكثر فأكثر.. والناس الغاضبون لا يستطيعون أن يفكروا بشكل صحيح».
كما أوضح جون ويتبك (محام أمريكي في القانون الدولي) في إحدى مقالاته أن العجز الذي يشعر به الإنسان العربي ليس قدراً أعمى بل هو خيار سياسي، وأن تحقيق السلام يمكن أن يتحقق من خلال الضغط الاقتصادي الذكي والمسؤول والمتواصل وليس عن طريق العنف المتنامي والمنفلت. وذلك باعتماد أسلوب العصا والجزرة الاقتصادي فأما الجزرة تكون بتأكيد والتزام الجامعة العربية بإعلان بيروت (مارس 2002) الذي استند إلى المبادرة الشجاعة لولي العهد السعودي الأمير عبدالله وعرضت السلام الشامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الطبيعية بين إسرائيل والعرب مقابل انهاء الاحتلال الاسرائيلي لكل الأراضي العربية في عام 1967م وأما العصا تكون بإيقاظ الحس السليم للناخب الأمريكي بمخاطبة جيوبه بإعلان العرب أنهم وحتى تذعن إسرائيل للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة والتزامها بالحدود المعترف بها دوليا سيمارسون قوتهم الاقتصادية بما يؤثر على الناخب الأمريكي، وحينها فقط وعندما ترتفع تكاليف المعيشة على دافع الضرائب الأمريكي ويبحث عن السبب ليعي أن الدعم والانحياز الأمريكي الأعمى لإسرائيل هو السبب وراء ارتفاع وغلاء معيشته سيخلق إلحاحه ضغطا على السياسة الأمريكية ويتعرض الاسرائيليون للضغوط من قبل حليفهم الوحيد وسيدركون أن أمنهم لن يكون مضمونا أبداً وأن الخيار الأسلم الذي يمكن تبنيه هو الالتزام بقرارات الأمم المتحدة والاذعان لها.
وكما أن هناك فرصة تاريخية أمام العرب للاستفادة من الكتلة الأوروبية الهائلة التي تتحول تدريجيا الى عملاق أوروبي يضم تحت جناحه خمساً وعشرين دولة ويملك عملة قوية استطاعت أن تحرج الدولار الأمريكي، ولا شك ان نتائج الاستبيان الذي أجرته المفوضية الأوروبية بين الرأي العام الأوروبي (الذي تمثل قوى السلام فيه النسبة الأعلى من مجتمعه المدني) الذي اعتبر أن إسرائيل أكبر دولة مهددة للسلام في العالم يمثل حالة متقدمة لاستيقاظ ضمير الرأي العام الأوروبي لصالح الحق العربي وذلك رغم نشاط الميديا الصهيوني القوي في الحقل الإعلامي الأوروبي، وإن توجيه رؤوس الأموال العربية إلى أوروبا يمكن أن يحولها إلى قوة توازن في ميزان الصراع العربي الإسرائيلي.
|