يقول شخص لآخر في موقف معين «احترم نفسك»، ويقول الناس عن شخص أنه «انسان يحترم نفسه».
ويستخدم أكثر الناس عبارة «احترم نفسك» في مواقف معينة لتؤدي غرضها، ولكن لا يدرك بعضهم أبعاد المعاني العميقة التي تحملها. فما الفرق بين احترام النفس واحترام الآخرين؟ ولماذا لا نقول للآخر «احترمنا» بدلاً من أن نقول له «احترم نفسك؟».
والحقيقة ان احترام النفس هو الأساس وما احترام الآخرين إلا نتيجة طبيعية لاحترام النفس، فالذي يحترم نفسه يعرف حدوده في كل شيء فيتوقف عندها ولا يتجاوزها الى حدود الآخرين، لهذا فإن الذي يتجاوز حدوده معك ويقول:«أنا حر» ليس حراً، لأن حريته تنتهي عند حدودك فإذا اقتحمها لم يعد حراً وإنما أصبح معتدياً، وهذا هو الفرق بين الحرية والعدوان. لا يوجد انسان حر بالمعنى الذي لا يعرف الحدود، والحرية اطارها احترام النفس بمعنى احترام الحدود وعدم تجاوزها الى الغير.
فما دمت صادقاً مع نفسك قائماً بواجباتك في كل اتجاه، معطياً لكل ذي حق حقه، لا تظلم، لا تغش، لا تكذب، لا تنم، لا تحقد، لا تغدر، لا تمكر، لا تخون، لا تعتدي، عادلاً، أميناً، مخلصاً، وفياً، فثق تماما أنك انسان حر مكتمل الحرية ولن تنقص حريتك إلا عندما يحدث خلل في احدى هذه الصفات، وعندما يحدث هذا الخلل معناه أنك تجاوزت حدود حريتك واعتديت على الآخرين، لأن في عدم الأمانة أو عدم العدل كما في الكذب والحقد والغدر إضرارا بالغير، وعندما تضر بالغير فإنك في أعماقك تفقد التوازن، وتفقد السلام في داخلك ويبدأ ضميرك يشعر بالذنب، وبالتالي تفقد احترامك لنفسك وتفقد حريتك وينتج عن ذلك كله عدم احترام الآخرين لك لأنك تصبح في نظرهم متهماً وناقصاً بسبب الصفات التي فرطت فيها.
والمقصود باحترام الناس هنا ليس الاحترام الظاهري الذي يحصل عليه المرء بسبب الجاه أو السلطة وإنما المقصود هو ما يتركه سلوك الفرد وأعماله من أثر في نفوس الآخرين على شكل محبة ومودة وتقدير ينعكس على موقفهم منك بينهم وبين أنفسهم وأمام الغير.
هذه حدود العلاقة بين احترام الانسان لنفسه واحترامه للآخرين ومعرفته بحدود حريته. فالانسان حر ما دام يحترم نفسه ويعرف حدوده مع الآخرين.
وقد وضع الاسلام ثوابت أخلاقية وسلوكية إذا ما عمل بها الانسان ارتقى الى أعلى مستويات التحضر، ولن يتحقق ذلك إلا بالعمل بأساس دستور المعاملات بين الناس في الاسلام المتمثل في أقوال أحسن الناس أخلاقا محمد صلى الله عليه وسلم، منها قوله :«المسلم من سلم الناس من لسانه ويده»، «من حسن اسلام المرء تركه مالا يعنيه» «الترمذي وابن ماجه»، «لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم، ولا تطلبوا عوراتهم» «أحمد»، «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء» «البخاري الأدب المفرد» «رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى» «البخاري»، «من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا» «مسلم»، «المؤمن مرآة أخيه، والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه» «البخاري الأدب المفرد»، «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» «متفق عليه»، «تبسمك في وجه أخيك صدقة» «الترمذي»، «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله اخواناً» «متفق عليه»، «من لا يشكر الله لا يشكر الناس» «البخاري الأدب المفرد»، «امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين» «أحمد»، «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» «مسلم».
أحاديث نبوية ومبادئ أخلاقية اسلامية تعد بالعشرات تصب جميعاً في دائرة التعامل بين الناس، تضع له القواعد المثلى وتنظمه وتخط له حدوده، فمن عمل بهذه القواعد وجعلها نظام حياته وعرف مع نفسه ومع الناس حدوده أصبح أوسع خلق الله حرية في هذا الكون، وأكثرهم احتراما لنفسه، فيظفر باحترام من الناس ليس له حدود.
|