لابد أن البعض يذكر ذلك اللقاء الصحفي من السعودية الذي نشرته على صفحتها الأولى صحيفة لوس انجلس تايم الأمريكية وكان مع عدد من السيدات السعوديات في الموقف من الحرب الأمريكية على العراق.
فقد جرى نشر ذلك الحديث بنسخته الإنجليزية وترجمته العربية لاحقاً على عدة مواقع الكترونية كما تم تبادله عبر الرسائل الفاكسية والالكترونية. وقد كان الاهتمام الواسع محليا بذلك الحديث يرجع في تقديري وآخرين ممن تحدثت معهم ليس لأننا قلنا فيه غير ما يكتبه بعضنا وربما نكتب ما هو أجرأ منه في صحافتنا المحلية ولكن لأسباب أخرى أهمها السببان التاليان.
السبب الأول أن طبيعة أسئلة ذلك التحقيق وطريقة عرضه كانت تعكس شيئاً من صورتنا في العيون الغربية والأمريكية خصوصا والعيون الخارجية عموماً. ويشمل ذلك عدم التصديق احياناً بأن هناك من القوى المعتدلة في مجتمعات أخرى من يعارض سياساتهم في المنطقة. السبب الثاني هو أنه لدينا بمجتمعنا فضول على ما يبدو لنعرف كيف يعبر البعض منا عن نفسه وعنا وعن القضايا العامة ممن تتاح له الفرصة أن يقدم نفسه ويقدمنا في الصحافة الأجنبية وبرغم عدم دقة الصحفية كيم ميرفن التي قامت بالتحقيق في عرض ما جاء في ذلك اللقاء (وهذا جانب آخر من الموضوع) وما سجلناه في حينه من اعتراض مكتوب على عدم الدقة فإن مثل هذه التحقيقات نافذة ليس من المطلوب وصدها. بل لابد من قبول تحدياتها بشرط أن لا تقولنا ما لم نقله أو ما تريدنا أن نقوله وأحد وسائل قطع الطرق على ذلك وإن لم تكن وسيلة ناجحة تماما هي اشتراط قراءة ما ينقل عنا قبل نشره. هذا بالإضافة إلى شرط الحرية والالتزام معا فيما نطرح.
وفي هذا فمن الملاحظ أن بلادنا خاصة في خضم الأحداث الجسيمة على المستوى الاقليمي والعربي والداخلي مع ما للمملكة من أهمية قد أصبحت قبلة للصحفيين والمراسلين ليس الغربيين والأمريكيين وحسب بل وللعالم أجمع. ومن حسن الحظ أو بالأحرى من بعد النظر أن الباب لم يعد مغلقا في وجه الصحافة الخارجية كما لم يعد مقتصراً على الترحيب بالصحافة الغربية وحدها أو قصر تحقيقاتهم على الناطقين الرسميين باسم الأجهزة الحكومية. إذ لا يكاد يمر أسبوع دون تلقي العديد من الاتصالات من قنوات إعلامه مقروءة أو مسموعة ومشاهدة من اليابان والصين والهند وإفريقية إلى أمريكا وأوروبا ممن يطرحون أسئلة مشحونة بالفضول وأحيانا بالمسبقات المحايدة أو غير المحايدة فيما يخص المجتمع وقطاعاته المختلفة.
ودون أن نعمم ومع الاعتراف بوجود درجة من الموضوعية التي يتمتع بها عدد من ممثلي الصحافة والإعلام الذين يزورون بلادنا ويحرصون على اللقاء بنا نساء ورجالا وممثلين لمواقف ومواقع اجتماعية متعددة فهناك بعد آخر للصورة. إذ يبدو لي أن الصحافة الغربية تحديدا وبعدد غير قليل من مراسليها وكتابها رجالا ونساء عندما تتوجه إلينا تكون مهجوسة بعدد من الأسئلة التي قد يخونها الحس الصحفي المتميز بالفضول والبحث لشدة ما هي مشغولة باستعراض تصورها وحلولها لبعض قضايانا. مما يثير الاستغراب والتساؤل أحيانا عن مدى وأسباب التقارب بين تلك الطروحات الصحفية التي يفترض أنها تمثل صحافة حرة وبين الإدارة الأمريكية. كما لابد أن مما يصبح عرضة للتساؤل الحاد وأحيانا مثارا للحنق عند مواجهة أسئلة الصحافة الغربية هو شدة انسجام اسئلتها مع ذلك الخط السياسي الرسمي الرائج وعدم تمردها على النظرة الاستشراقية التقليدية للمنطقة وللإسلام وللمرأة وللمجتمع السعودي والعربي ككل.
فهل يكون الموقف المناسب هنا هو أن نتخذ موقف المتحفظ من الصحفيين والصحفيات الأجانب وخاصة الغربيون والأمريكيون الذين يأتون إلى بلادنا ويتوجهون إلينا بأسئلة قد لا تخلو من مواقف قيمية إن لم تكن تقيمية؟ أم يكون الموقف المناسب هو أن نقف موقف الممتن لجهدهم فيما لا نريد أو نتحرج في المشافهة بنقاط الاختلاف معهم؟ أو يكون الموقف بحسب الحالة ومقام الحال إن لم يتدخل في ذلك المزاج الشخصي المحض ودرجة تقدير عوائد مثل تلك التحقيقات الصحفية؟
ولعل هناك مواقف أخرى تزيد على ما جاء أعلاه وقد يتخذ بعضها زوايا حية ضمنها أو خارجها ومن تلك المواقف ذلك الموقف الذي يرى في أولئك المراسلين والكتاب وبالأخص ممثلي الصحافة الأجنبية الغربية ممثلينا إلى العالم الغربي المتحضر الذي علينا أن نمحضه محض إعجابنا ونطلعه على بثنا وحزننا وشكوانا دون أن نكدر خاطره بكلمة واحدة تنتقد علاقة العولمة اللامتكافئة التي تفرضها علينا بلاده. فهل بسبب تلك المسبقات التي تطالعنا بها بعض الأسئلة والتعليقات يكون علينا أن نحشر أنفسنا بين إما أن نقبل بمجاراة أولئك الصحافيين والصحفيات والإعلاميين من وكالات الأنباء والفضائيات الأجنبية والصحف والمجلات في نظرتهم لنا أو أن نتخذ موقفا يشكك في النوايا والأهداف والوسائل ويدعو لمقاطعة أولئك الصحفيين والصحفيات وعدم الاستجابة لأسئلتهم أو هناك حد من الأرضية الموضوعية التي يمكن أن نشترك في الوقوف عليها معهم بمشتركاتنا المهنية والإنسانية.
في رأيي أن أي من المسبقات التي قد تحملها الصحافة الأجنبية عنا وربما بسببها هي بعض ما يجعل من التجاوب مع أسئلة هؤلاء الصحفيين والصحفيات نوع من قبول الدخول في تحديات الحوار مع الذات ومع الآخرين. على ألا نجاملهم على حساب قضايانا ولا نرأف بعيوبنا أو نقسوا على محاسننا من أجلهم. وإذا أخذنا في الاعتبار أن ليس هناك مجتمعات فوق النقد سواء في مجتمعنا أو مجتمعاتهم وأن الصحافة الخارجية ليست ولا يجب أن تكون كواليس أو حراجاً للصفقات أو الابتزازات السياسية بل شرفة لتلاقي مختلف وجهات النظر والآراء وأن ليس كل الناس ولا حتى نصفهم لا هم لهم إلا التآمر علينا فقد نساعدهم ونساعد أنفسنا على تبادل النظر بدون عماء التعصب للعيون الملونة أو العيون السوداء.
ويمكن أن أعطي عينة لبعض تلك الأسئلة أو التعليقات التي يطرحها بعض الكتاب والمراسلين وتأتي غير خالية من افتراضات مسبقة قد تحد من أفق اللقاء ولكن يمكن حلها بتبادل الحوار ومن ذلك:
- هل يمكنني اجراء التحقيق مساء بعد الافطار.
- لا أفضل أن يكون التحقيق في الصباح.
- هل يعني ذلك أن المقابلة ستجرى وأنت صائمة.
- نعم بالطبع.
- هل سيكون بإمكانك أن تتحدثي إلي وأنت صائمة.
- بالتأكيد.
- ولكن كيف تتحدثين وأنت صائمة؟
- لأنني سأكون صائمة عن الطعام والشراب وما يجرح الصيام من قول أو عمل ولن أكون صائمة عن كلام هو في حكم العمل.
- اعتقدت ان المسلمين لا يفضلون العمل خلال النهار وهم صيام بل يقضون النهار نيام.
* عينة أخرى من الأسئلة من صحفية أخرى:
- تعتقدين أن الإصلاحات التي وعدت بها القيادة السعودية ستشمل المرأة.
- نعم أعتقد ذلك.
- إذن سيكون من المتوقع أن يكون بإمكان المرأة السعودية أن تقوم بقيادة السيارة قريباً.
- لا أدري فهذا يعتمد على عدة عوامل.
- كيف وقد قلت إن الإصلاحات ستشمل المرأة.
- نعم ولكني لم أقل شيئاً عن قيادة المرأة للسيارة.
- اليست قيادة المرأة للسيارة أول الإصلاحات المطلوبة للنساء.
- لا ليس ضروريا أن يكون الأمر كذلك.
- مستحيل ألا يكون ذلك نحن نرى أن قيادة المرأة للسيارة أمر هام جداً.
- قد يكون ذلك في الغرب ولكن للمرأة السعودية أجندة أكثر أولوية في الإصلاح.
- هل يعقل ذلك؟
- ليس هذا السؤال للمسألة بل أن تسأل النساء السعوديات عنها ولا تفترضها بناء على فرضيات مسبقة.
- لنبدأ الأسئلة من جديد.
وأكتفي بهذه العينة من بعض صورتنا في عيون الغير هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
|