البادية عنصر هام من عناصر الانتاج في بلادنا وتمثل نشاطا حيويا لحياتنا الاقتصادية، فتربية الابل والغنم وتنمية نتاجها يتطلب من افراد البادية التنقل بها من مكان لآخر حيث تجود المراعي ويطيب الكلأ وفي بعض الاوقات كالصيف مثلا يتعذر على الرعاة الابتعاد عن مصادر المياه ويضطرون إلى استعمال السيارات لنقل الماء وسقيا المواشي بواسطتها عندما يشح النبت في المواقع القريبة من الموارد والاتجاه إلى تحضير البادية بصورة مفاجأة يقترن بها صعوبات جمة، غير أن الصعوبة القصوى التي تواجه التحول هي نواحي معنوية لا يكفي معها توفير الامكانيات المادية كتخصيص الارض الصالحة للزراعة وايجاد الماء العذب والمخصب للنبت، وانما المهم جدا هو تحويل ذهنية الإنسان البدوي من حر طليق يهيم في أجواء الصحراء الرحبة الوديعة إلى مزارع لصيق بالأرض مقيد بقوانين زراعية دقيقة.
لا شك ان البدوي المتنقل افضل له البقاء في الارض وأنمى لخلفه من بعده حيث يتيسر لهم التعليم والتطبيب غير ان انتاجيته مشكوك في مداها كمزارع فقد يترتب على تركه مجال يؤدي فيه وظيفة عملية منتجة ويحل بحقل غريب على تصوراته يصعب تفاعله فيه مما يهدده ببطالة تعوق تقدمه.
وان كنت لم يسعدني الحظ - بعد- بزيارة مركز تحضير البادية في حرض الا ان ما نشر عنه في الصحف من تقارير كلها تبشر بخير وبمستقبل حضاري لفئة من أبناء البادية.
غير أنه نظراً لان هذا المشروع النموذجي لن يستوعب إلا عدداً محدوداً منهم ممن سيهيئون إلى التحول الزراعي.. أقدم إلى وزارة الزراعة اقتراحا وهي المعنية بذلك - أن تقوم على اعداد برنامج سنوي يتم خلاله حفر آبار عميقة في مناطق متعددة من الصحاري التي تتوفر فيها أجود النباتات وستكون تلك المواقع نواة لانشاء قرى يتجمع فيها البدو ويجمعون فيها بين البدء في حياة الاستقرار الحضاري تدريجيا مع الاستمرار في اسهامهم بتنمية الثروة الحيوانية، ولا شك أن ساكني مثل تلك القرى سيوجد لهم المدارس الضرورية والوحدات الصحية وغيره من أنواع الخدمات المبسطة والمفيدة.
هذا الاقتراح مبني على تجارب شاهدت عيناتها في مراكز عديدة (كمعقلاء، وشوية، ورماح) وغيرها من مراكز البادية حيث تم فيها استنباط الماء وقد شاهدتها على الطبيعة برفقة عدد من الزملاء ساعدنا الحظ بالقيام بجولة في العام الماضي ما بين ربوع الدهناء والصمان مررنا خلالها بعدد من مراكز تجمع البادية.
وهناك عنصر آخر لمس الحاجة إليه سكان القرى وأبناء البادية على حد سواء وهو ضرورة انعاش المواشي بأعلافها بحبوب الشعير التي هي القوام الاساسي لتعليف الاغنام خاصة في هذا العام بعد أن احتجب الغيث عن كثير من المناطق التي شح فيها الكلأ.
واصبح الطلب على الشعير مرتفعا والمنافسة على شرائه قوية بحيث صعد ثمن (الكيس الواحد) إلى ستين ريالا بدلا من عشرين ريالا، ونطمع مع الكثيرين من طالبيه في تدخل وزارة الزراعة الجليلة للتصدي لاستيراد الشعير أو تشجيع التجار لاستيراده مع العمل على الزامهم بسعر مناسب ينعش المواشي ويساعد أصحابها على الأقل في اطعامها فترة الجفاف كالتي نمر بها الآن.
ولا يشك أحد أن وزارة الزراعة دائبة على إيجاد العلاج الناجح لهذه المعضلة التي يعيق بقاؤها نمو ثروتنا الحيوانية..
|