Wednesday 19th november,2003 11374العدد الاربعاء 24 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

التجربة الثانية التجربة الثانية
سعد البواردي /الرياض

صديقي المتحمس جدا إلى درجة الجنون والهوس بنظرية التعايش السلمي البشري ضاق ذرعاً. وامتلأ يأسا بتحقيق تلك النظرية بعد أن أشهرت إفلاسها وسدت في وجهه كل السبل الموصلة إليها وأسلمته إلى اليأس والقنوط على وقع الصراع والنزاع المحتدم بين الايديولوجيات والمذاهب المختلفة.. بين القارات، والحضارات، إنه لم ييأس بعد من تجربة ثانية لفصيلة ثانية من الكائنات الحية..
هذه المرة جاءت تجربته مع عالم القطط.. اختار لحقل تجاربه مجموعة من القطط الحديثة الولادة المنتمية إلى مجموعة من القارات الخمس.. اشتراها على أمل أن تكون النموذج الأمثل للتعايش السلمي بين أطرافها بعد أن فشل الإنسان الذي يملك العقل دون سواه في تحقيق حلمه، وسلمه على رقعة أرضه.
من أمريكا واحدة.. من سيام ثانية.. من إيران ثالثة.. من أستراليا رابعة.. ومن اليونان خامسة.. أما السادسة فقطة عربية انتزعها صغيرة من رصيف شارع شعبي يموج بالقطط الضالة..
أفرد لمجموعة قططه المختارة مكانا تتوفر فيه كل عناصر الرعاية.. ومقومات التغذية.. تولى بنفسه شؤونها والإشراف على رفاهيتها.. كون منها أسرة قططية متآلفة ومتحالفة، يسود حياتها الوئام والسلام..
تحسر على واقع الإنسان من حوله.. وهو يشهد بأم عينيه الاختلاف المفضي إلى الخلاف والتصادم.. تمنى لو أن البشر كتلك المخلوقات الصغيرة في تآلفها. وتكاتفها رغم أنها لا تملك العقل الذي يملكه..
شبت قططه عن الطوق. لم تعد صغيرة كما كانت.. كبرت.. وتكاثرت، وشكلت لميزانيته عبئاً أثقل كاهله إلا أنه في سبيل تجربته الناجحة تحمل الحمل.
ذات يوم أحس بمعركة حامية الوطيس تجري وقائعها داخل حديقة دارته.. خاف على نفسه فشل تجربته.. ظنه تحول في مجرى طبيعة التآلف والتصافي بين مجموعة أسرته القططية.. هرع في سرعة إلى حيث المعركة ويده على قلبه.. تبين له أن وافدا غريبا تسلق سور دارته سعيا إلى اقتحامها كما لو كان لصا.. أو غازيا محتلا.. هذا الوافد الغريب كان قطا ضالا يبحث له عن لقمة إلا أنه جوبه من قطط الدار المستأنسة بهجوم وقائي طرحه أرضا بين الحياة والموت..
صديقي تنفس الصعداء.. تدخل من أجل خلاص الوافد الغريب على بيته.. أبعده بعيدا دون أن يجرؤ قط واحد على منازعته السيادة داخل ملكه.. فقد عودها الطاعة دون تمرد.. صاحبي فشل في تجربته الأولى للتعايش السلمي بين القطط الكبار تماما كما هي الحال بين الكبار من بني الإنسان.
تمنى صديقي من خلال تجربته الناجحة لو أن أطفال العالم وهم صغار زرعوا في أكباد البسيطة من أجل التلاقي من أجل التعارف والتآلف لربما بعد أن يشبوا عن الطوق.. ويتملكوا زمام مقدرات شعوبهم تكون لهم ألفة القطط وتعايشها السلمي الذي عجز الكبار عن تحقيقه..
من يدري.. فقد تؤخذ حكمة التجربة القططية عنوانا لتعايش سلمي قادم يتولى الصغار بذرته الناجحة يقطفون ثمارها وهم كبار «القصة مجرد أمنيات حالمة».

ص.ب: 231185 الرمز: 11121 /فاكس: 2053338

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved