لقد أبت المملكة العربية السعودية إلا أن تشارك أهل تونس فرحتهم في افتتاح جامع قرطاج الكبير، وذلك بحضور صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز موفدا من قبل مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين سيدي صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز حفظهما الله، وذلك رغم مشاغله الجمة، وقد جرى حفل افتتاح جامع العابدين الكائن بضاحية قرطاج العاصمة الفينيقية القديمة يوم الثلاثاء السادس عشر من رمضان المبارك. ولئن كان انجاز هذا الجامع الذي يعبر بصدق عن تلاحم وتعاون المسلمين في البر والتقوى، فإن ما وفرته تونس، حكومة وشعباً، من موارد مالية ضخمة لانجازه، يعبر هو الآخر عن حرص فخامة الرئيس بن علي على صرف المال في أوجه الخير والبر.
فمنذ أن أمر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ببناء هذا الجامع في هذه المنطقة ذات الخصوصية التاريخية العميقة، فقد كان للمملكة السعودية حكاما وأفراد شعب دور بارز في انجاز هذا المعلم الاسلامي الهام، ولعل ذلك نابع من أمرين: الأمر الأول هو اصرار المملكة الدائم على تشجيع كل عمل اسلامي مخلص يعود على الاسلام بنتيجة ايجابية ويدخل في هذا الاطار ما بنته المملكة من مساجد ومراكز ثقافية في كافة مناطق العالم ويستوي في ذلك العالم الاسلامي وغيره من مناطق العالم الأخرى. وستظل المملكة وفية لهذا التقليد، إذ لا يمكن لأي قوة مهما كانت، ولا أي إرادة أن تقف ضد ذلك أو أن تغير منه قيد أنملة.
أما الأمر الثاني، فهو اعتراف منها بما يبذله الرئيس زين العابدين بن علي في تونس من جهود لاعادة تجذير تونس في محيطها الحضاري العربي والاسلامي بعد ان أراد لها البعض الانسلاخ من هذا المحيط. إن بناءجامع في قرطاج القديمة يعد في نظرنا من أنصع الدلائل، على صدق هذا التوجه لدى الرئيس التونسي، فهذه المنطقة المليئة بالآثار التاريخية لم يسعد التاريخ حظ أي من الحكام المسلمين لهذه البلاد بالهامه فكرة بناء معلم اسلامي فيها يكون بدوره شاهداً على حضور الاسلام ديناً وحضارة ضمن فسيفسائية الموقع.
والآن وقد سخر الله للرئيس بن علي أن يناله هذا الشرف وأن يدخل تاريخ هذه المنطقة بهذا الانجاز، فليس لنا إلا أن نهنئه على هذا السبق وعلى هذا الانجاز الذي نرى أنه علاوة على ذلك يعد أكبر دليل على جهوده المتواصلة في اعادة تأصيل تونس في محيطها العربي والاسلامي، كما نرجو من الله أن تتبعه انجازات أخرى تصب كلها في هذا المجال لأن تونس وشعبها متشبثان بانتمائهما لهذه الأمة تاريخاً وحضارة وقد أعطيا الكثير عبر تاريخهما المديد من خلال حملهما لراية الاسلام والعروبة في هذه الأصقاع من الأرض. أو لم تكن القيروان ومن بعدها الزيتونة محطتين أساسيتين من محطات نشر الاسلام والذود عنه في هذا المنكب من المعالم؟ فمنهما انطلق الفتح الى إفريقيا والأندلس واليهما يرجع الفضل في تدوين المنظومة الدينية والثقافة العربية الاسلامية في أبهى حللها وأغنى موروث لها. ولئن كانت المملكة العربية السعودية ممثلة في شخص سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، قد أبت إلا أن تشارك تونس ورئيسها وشعبها هذا العرس الاسلامي الكبير، فإن ذلك إنما ينم عن إصرار على التلاحم العربي الاسلامي بين جناحي هذا الوطن في المشرق والمغرب، الأمر الذي يعني أن التاريخ كان مرتبطا وسيظل كذلك موصولا ما بقي من هذه الأمة من يريد له أن يبقى كذلك.
ولعل إرادة قائدينا مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وفخامة الرئيس زين العابدين بن علي، حفظهما الله، ستبقى ساهرة على ذلك. فالله نسأل أن يسدد خطاهما على سبيل ما يحقق للبلدين وللأمة العربية والاسلامية أقصى مراتب الرفعة والسؤدد.
|