منذ ان وعيت في حياتي أول رمضان وأنا أعيش رمضان بشكل مرح ومبهج. لست وحدي، كلنا على ذلك فرمضان خاصية إسلامية أنا على ثقة ان أتباع الأديان الأخرى يحسدوننا عليه فبقدر ما هو عبادة نكسب فيه الأجور فهو فرحة للكبار والصغار، فالموائد الغنية بأشهى الأطعمة والزيارات وحياة الليل المرحة والتسوّق واشتهاء النهارات للطعام وغير ذلك مما يسم رمضان يغيّر من نمط حياتنا وروتيننا وإيقاع الحياة الرتيب في الأشهر الأخرى.
كنت دائماً أحتج على تخفيض ساعات العمل في رمضان وأحتج على تعديل الدوام ليناسب الكسالى إلا أني في بعض الأحيان عندما أمتلئ بروعة رمضان أرى ان ما نخسره من ساعات عمل لا يوازي ما نكسبه بإعادة تنشيط الحياة مرة أخرى، فهو بمثابة إجازة من الحياة التي نشترك فيها مع الآخرين إلى حياة تخصنا وحدنا كمسلمين، فالحياة ليست كلها إنتاجاً وعملاً وتخاصماً وكسباً.
الحياة أيضا عبادة وراحة وشيء من التكاسل وتغيير، فالإسراف في الأكل الذي يشكل المادة الأولى في نقد الناقدين والناصحين ليس بالضرورة كله ضرراً وشراً. فالطعام هو من أكثر العادات الإنسانية استسلاماً للنمطية والعادات، فلو كسّر الإنسان حسابه مع الأكل لوجد انه يعيش في الأشهر الأخرى عادات ثابتة من الصعب تغييرها، فالغداء له نوع ثابت من الأكل وكذلك الوجبات الأخرى وبالتالي يفقد بهجته وخاصية المتعة فيه ليأتي رمضان لينسف هذه العادة المملة عندما يدخل عليها تغييراً جذرياً سواء في مواعيد الأكل أو قائمته. صحيح ان الكبسة تحشر نفسها مع الفطور ومع السحور في رمضان ولكنها لا تشكل المادة الأساسية، حتى انني أشعر ببعض الحزن عندما أطالع إلى تبسي الرز وهو غائص بين الأطباق الأخرى مهمش بعد ان كان هو سيد الموقف قبل أيام قليلة فقط.
كنت قد خططت أن أكتب بعض الذكريات القديمة وبعض الحكايات المرحة وان أخوض في قضايا اللقيمات والسنبوسة وأبحث في تبعاتها محلياً ودولياً، لكن الأمور لا يمكن ان تسير وفقاً لما نريده دائماً شيئاً والله يقدّر شيء آخر، فشهرنا هذا شابه بعض الحزن وبعض القلق. أشعر أن الناس تغيرت في هذا الشهر عن كل رمضانات التي عشتها. أثرت عليهم هذه الأحداث التي نمرّ بها. عندي إحساس ان هناك شيئاً من الذهول في عيون الناس لا يمكن اختراقه. ما حدث ألقى بظلاله على كل النفوس، الشيء الذي يشعرنا بالأمل والطمأنينة ان الخوف لم يغش القلوب فالأسواق ولله الحمد مليئة بالمتسوّقين والمتجوّلين، والزيارات بين الناس لم تنقطع والشيء الأهم ان ما يحدث لم يستحوذ على جلسات الناس وأحاديثهم والأجمل ان الناس عندما تتحدث عن هذه الأحداث لا تتحدث عنها على أنها أحداث أمنية معزولة فالمجتمع بدأ يفهم ان هناك أشياء يجب تغييرها وسوف تتغير بمشيئة الله ليأتي رمضان القادم وقد تم اجتثاث أسباب الشر ليعود رمضان إلى سالف أعوامه وكل عام وأنتم بخير.
فاكس 4702162
|