Wednesday 19th november,2003 11374العدد الاربعاء 24 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

اللهم إنا نبرأ إليك مما يفعل هؤلاء اللهم إنا نبرأ إليك مما يفعل هؤلاء

نعمة الأمن والاستقرار نعمة عظيمة بعد نعمة الإسلام، ولا تقدر بثمن أبداً، والضرورات الخمس التي اتفقت عليها الشرائع لا يمكن الحفاظ عليها إلا في رحاب الأمن وظله الوارف، ورحاب الأمن لا يمكن ان يكون إلاّ في رحاب الإيمان وظلّه، وعندها يأمن الناس على دينهم وأنفسهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم ومحارمهم، وما حدث من تفجير وتدمير في مدينة الرياض مساء السبت قبل الماضي فاجعة فُجعت بها كلُّ النفوس المؤمنة السوية، جريمة لم تراع فيها حرمة شهر رمضان المبارك، ولم تراع حرمة الأنفس والأموال المعصومة، ولم تراع حرمة الآمنين المطمئنين في مساكنهم، إنه لمؤلم حقّاً، ولا يوافق عليها شرعاً ولا عقلاً، فكم من نفس مسلمة بريئة أزهقت، وكم من أموال وممتلكات أُتلفت، وكم من نفوس مؤمنة آمنة رُوعت، عجباً أيعقل ان هؤلاء من شبابنا؟ وممن تربوا على أرضنا؟ بأي عقل يُفكرون؟ وبأي دليل يحتجون؟ ماذا يريدون؟ عن أي إصلاح يتحدثون؟ نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى، إنها الشبهات والفتن المظلمة التي تعصف بالقلوب مهما كان صلاحها وحماسها إن لم تعتصم بالكتاب والسنة ومنهج سلف هذه الأمة، وإلا فأين يذهب هؤلاء بآية صريحة يقول الله تعالى فيها:{ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] . أين يذهب هؤلاء بأحاديث الصادق المصدوق، كقوله صلى الله عليه وسلم: «ولزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً». آيات وأحاديث كثيرة، وفتاوى وقواعد أصولية شهيرة، فأين العلم؟ أين القرآن؟ أين السنة؟ أين منهج السلف؟ أين العقل والحكمة؟ أين قاعدة المصالح والمفاسد؟ أين فتاوى العلماء الاثبات؟ أيعقل أن يُرمى كل هذا جانباً ويكون الرأي ما نراه؟!!.
يا من قمتم بهذا العمل: مهما قلتم عن كثرة المنكرات، وتذرعتم بانتشار الفساد، وتحدثتم عن تسلط الكفار وتجبرهم فليس هذا طريق الإصلاح، وليس هذا العمل بجهاد بل هو عناد، بل هو ـ وربي ـ إفساد وأي إفساد؟! ما ذنب الأبرياء؟ ما ذنب الصغار والنساء؟ حتى وإن قلتم: إن هناك كفاراً وأدعياء، حتى وإن قلتم: إن هناك تعذيباً وتضييقاً، فليس هذا هو الطريق، حقّا كلما ابتعدنا عن السنة حلّ محلها الضلالة والبدعة، فلما ابتعدنا عن المنهج الصحيح، ابتعدنا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ابتعدنا عن النصيحة الصادقة للسلطان، لما جبنا عن قول كلمة الحق للمسؤول، حل محل ذلك القتل والتفجير وإراقة الدماء، اللهم إنا نبرأ إليك مما يفعل هؤلاء!
حدّث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون، صبأنا، صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: «اللهم إني أبرأ إليك ممّا صنع خالد».
الله أكبر حتى وإن كان خالداً، نعم، حتى وإن كان الخطأ ممن تحب، فإن الحق أحق ان يتبع، وعند الخطأ يجب ان يُقال للمخطئ: أخطأت، وانصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، ونصرته ظالماً بردعه ومنعه من الظلم.
عجبا ـ إخوة الإيمان ـ لأنفس ضعيفة! عندما يكون المنكر في الشهوات يغضبون، وعبر رسائل الجوال يتنادون، وإذا كان المنكر في المنهج والعقيدة يستحون ويتهامسون، إنه الجهل بالأصول، وقلة العلم وقصر النظر؟ فالله الله ـ شباب الإسلام ـ بسلامة المنهج، منهج الوسطية والاعتدال وفق ضوابطهما الشرعية التي يقرها الراسخون في العلم، ووفق منهج القرآن والسنة ومنهج الصحابة الكرام، وأئمة الإسلام. اعلموا ـ يا شباب الإسلام ـ ان من أهم أسباب الثبات على وسطية الإسلام الحقة أولاً: الصبر وعدم التعجل، ثانياً: قوة العلم، ثالثاً: معرفة المنهج الصحيح بالأدلة من الكتاب والسنة. رابعاً: قوة العقل، خامساً: النظر في تجارب الناس والتاريخ. نسأل الله ان يثبتنا وإياكم على الدين والمنهج القويم.
ثم علينا جميعاً مراجعة أنفسنا والنظر في ذنوبنا وتقصيرنا فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، « {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] ، {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]، {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } [النساء: 79] ، { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].
سبحان الله! كنا نسمع عن القتل، وعن التفجير والقنابل والدماء في بعض البلاد، وكنا نتحدث عن كثرة نقاط التفتيش والاعتقالات والمداهمات في بعض الدول، فإذا بها تحل بساحتنا وتنزل بأرضنا أفلا نراجع أنفسنا، فالمعاصي والذنوب سبب في خراب الشعوب وخلخلة الأمن، لأن الأمن نعمة وأي نعمة، فمن عصى الله ـ وهو يتمتع بالأمن والاستقرار ـ لم يشكر النعمة بل كفرها، فعاقبة الكفر بالنعم مسطرة في القرآن، قال تعالى: «{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد}، فكل ما أصاب الناس من ضر وضيق نفسي أو معيشي أو أمني، فردياً كان أو اجتماعياً فبسبب معاصيهم وإهمالهم لأوامر الله عز وجل، وبعدهم عن المنهج الحق، ونسيانهم شريعة الله.. فيجب ألا نغفل ان الله قد يسلط الناس بعضهم على بعض بسبب إصرارهم على الذنوب والمنكرات دون استغفار وندم وتوبة، وبسبب كثرة المنكرات دون إنكار لها، أو تمعر الوجه وتوجع القلب لها، عن عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية حتى إذا مرّ بمسجد بني معاوية داخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربه طويلاً، ثم انصرف إلينا، فقال: «سألت ربي ثلاثاً، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألت ربي ألا يهلك أمّتي بالسنة فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» رواه مسلم. وفي لفظ للنسائي وأحمد: «... وسألت ربي عزّ وجلّ ألا يظهر علينا عدوّاً من غيرنا فأعطانيها، وسألت ربي ألا يلبسنا شيعاً فمنعنيها». فلنتق الله ولننظر في أمرنا، ولنتب إلى ربنا، ولنصحح إليه مسيرتنا، ولنعلم ان هذه العقوبات التي تنزل بنا، وهذه الفتن التي تحل بنا إنما هي نذر من ربنا، أتنتبهون وتستيقظون، أتأمرون بالمعروف وتتناصحون، أتنهون عن المنكر وتغارون، فهل تستجيبون؟! فها هي القوارع والنذر تصيب النفوس بالقتل والجرح والتشريد، وقوارع ونذر تصيب الأموال والممتلكات بالنقص والدمار. وقوارع ونذر تصيب القلوب بالشبهات والشهوات التي تصد الأمة عن دين الله، وتبعدها عن نهج سلفها، وتعصف بها إلى الهاوية، وفتن القلوب أعظم وأشد وأسوأ عاقبة من فتن الدنيا، لأن فتن الدنيا إذا وقعت لم يكن فيها إلا خسارة الدنيا.. أما فتن الدين فان بها خسارة الدنيا والآخرة، «{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.
إن المعاصي تؤثر في أمن البلاد، وتؤثر في رخائها واقتصادها، وتؤثر في قلوب العباد.. فلنكثر من الاستغفار والتوبة والصدقة والتقرب لله بالأعمال الصالحة، وأخيراً أوصي نفسي وإخواني بالاعتصام بالكتاب والسنة ففيهما نجاة وأي نجاة.

د. الشيخ إبراهيم بن عبدالله الدويش
خطيب وإمام مسجد جامع الملك عبدالعزيز بمحافظة الرس

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved