فجرت القناة السعودية الأولى قنبلة إعلامية من الوزن الثقيل، وذلك حين أخرجت الشيخ علي بن خضير الخضير في لقاء تلفزيوني يحاوره فيه الشيخ عائض القرني، وتحدث الشيخ بصراحة كبيرة وتراجع أكبر عن «كل» فتاواه المتشددة السابقة والتي كان يتكئ عليها كثير من الشباب الذين ملأوا الوطن تفجيراً ودماراً.
لم يكن هذا الفعل غريباً لمن يقرأ التاريخ الإسلامي بتمعن فقديما تراجع أكثر العلماء الذين خرجوا على الحجاج بعدما رأوا بأعينهم ما ترتب على خروجهم المسلح من أضرار ومفاسد وفتن، بل أجبر الحجاج كثيراً منهم ان يشهدوا على أنفسهم بأنهم مرقوا من الإسلام بفعلهم ذلك.
وفي فتنة «خلق القرآن» خضع كثير من العلماء لسيف السلطان وسطوته فأجابوا الخليفة للقول بخلق القرآن منهم علي بن المديني ويحيى بن معين وجماعات كبيرة من العلماء في ذلك الوقت.
وها هو الشيخ علي الخضير يسير على الطريق ويقول الجديد الذي لديه، ونحن إذ نشجعه على مثل هذا التراجع ونشد على يده، نأخذ على الشيخ عائض طريقته في «استجوابه» وتقريره والذي كان يمكن له ان يدعه لغيره من المتخصصين.
أحسب ان الحكومة قد اتخذت خطوة جريئة بعرض هذه المقابلة على شاشة التلفاز، ولكنني أحسب كذلك ان هذه الخطوة كان يمكن ان تكون أبلغ تأثيراً وأبعد نظراً وأكثر فائدة لو أديرت بطريقة أكثر حرفية واتقانا.
زرت الشيخ علي الخضير مرة في منزله وكان ذلك بعد وفاة الشيخ حمود العقلا وإثر حوارات فكرية بيني وبين الشيخ حمود ومقالات وردود كانت ساحتها منتديات الإنترنت، استقبلني الشيخ أنا وصاحبي وتقبل عزاءنا في الشيخ حمود، ولكنه لم يصبر ان قال لنا: إني أشهد الله على بغضكم، فقلت له: إنما تبكي على الحب النساء يا شيخ، وإنني والله احبك في الله، ولكن اعطني ما أبغضتني لأجله بحجته وأرد عليك بما عندي، ولكن الشيخ فضّل ان ينتهي النقاش وان يكون جوابه مكتوبا.
بين تلك الصورة وهذه الصورة اليوم بون شاسع، يتسع باتساع مساحة الوطن الذي ملأه بعض أبنائه كراهية وتكفيرا وتفجيرا، ما نتمناه من الشيخ علي الخضير ومن غيره من الدعاة ان يمتلكوا الجرأة لنقد الأسس التي خرج منها خطاب التكفير والقواعد العلمية التي انطلق منها، لا يكفي ان نتبرأ من نتائج أقوالنا ونصر على مقدماتها، لا يكفي ان نشتم الهامش ونقدس المتن، نحن بحاجة لمراجعة شاملة تمتد على كافة خريطة الخطاب الإسلامي المحلي.
هل كان الشيخ علي الخضير أمينا للخطاب الديني المحلي في مرحلته الأولى أم في تراجعه؟ إن كانت الأولى فكم نحن بحاجة لمراجعة ذلك الخطاب ونقده وتعديله وتطويره وتجاوزه لخطاب جديد قادر على المواءمة بين النص والواقع بعيداً عن تشددات البشر والتاريخ والواقع، لنفتح للبشر وللوطن أفقاً جديداً تنساب فيه حركة المجتمع بيسر وسهولة وتكون خطوة باتجاه بناء حضارة بشرية على ثوابت الأمة.
كم نتمنى ان يمتلك كثير من الدعاة وطلبة العلم والعلماء الجرأة لنقد كلامهم السابق ومواقفهم الماضية وخطاباتهم التي رعوها حق رعايتها حتى آتت أكلها تخريبا ودمارا في أفكار الشباب أولا وفي أرض الوطن وسمائه ثانيا، كم نتمنى ان يقولوا بصراحة: لقد أخطأنا في كذا وكذا، ودليل خطئنا هو كذا وكذا، ورؤيتنا الجديدة تستند على كذا وكذا.
بمثل هذه الطريقة التفصيلية في النقد والتحليل والعرض والتطوير يستطيع شبابنا ووطننا ان يتجاوزوا هذه الأزمة إلى شاطئ الأمان في رحلة مباركة ميمونة نحصد ثمارها جميعا في سلم اجتماعي يرفرف بظلاله على دوحتنا الحبيبة «المملكة العربية السعودية»، ونستطيع تحته ان ندخل خضم الصراع العالمي العنيف في مجالات الفكر والتقنية والصناعة والتجارة والسياسة بعنفوان أمة متحدة آمنة ترسم الخطط والمناهج والسياسات لاقتحام العالم بما ينفعه ويفيده ويعيد للأمة مجدا تليداً بأيدينا أضعناه.
عبدالله بن بجاد العتيبي
«من موقع ايلاف»
|