بدا علي الخضير، أهم مشايخ التيار الجهادي التكفيري في السعودية والمعتقل منذ نهاية شهر آذار «مايو» الماضي، متردداً ومرتبكاً بعض الشيء، وهو يعلن، في القناة الأولى من التلفزيون السعودي، تراجعه الكلي والشامل عن كل فتاويه السابقة، سواء تلك التي تزكي قائمة الـ19 الشهيرة، وتشيد بالتفجيرات، أو تلك التي تكفر المؤسسات الرسمية، أو أسماء محلية مثل تركي الحمد وعبدالله أبو السمح.
وفوجئ الناس الذين كانوا يترقبون إعادة الحلقات القديمة المميزة من «طاش ما طاش» بظهور الدكتور عائض القرني محاوراً لعلي الخضير، ومنادياً إياه ب«فضيلة الشيخ» ما أثار اللبس عند الكثير من المشاهدين، فلم يتبينوا حقيقة الأمر، إلا بعد مضي وقت توالت فيه اعترافات الخضير المذهلة، ملغياً تاريخه السابق كلياً، ومتلبساً شخصية مغايرة تتسم بالندم، ونبذ العنف، والميل إلى المصالحة والمسالمة، في وقت استنطقه فيه عائض القرني بإصرار وبوضوح، وحاصره بقسوة، مشدداً على بعض النقاط، ومعيداً بعض الأسئلة في أكثر من صيغة ليحصل على إجابات محددة لا لبس فيها، وكان القرني أشبه ما يكون بقاض يريد أن يستجلي الحقيقة كاملة، وأن يطمئن إلى وضع المتهم قولاً وسلوكاً.
وعلى الرغم من أن الخضير أقسم في بداية اللقاء أنه لم يخضع إلى أي ضغط، بل يتحدث منطلقاً من قناعاته الجديدة بعد أن تبين له الحق، إلا أن عباراته المقتضبة، ورخاوة مفرداته، وتنصله غير الحاسم من مقولاته السابقة لا تتفق، إطلاقاً، مع ما كان يشيع في لغته من صرامة وعنف وحدة واندفاع عبر رحلة استمرت ما يقارب عشرين عاماً. هذا الأمر أثار تساؤلات حول سبب هذا التغير في موقفه، ومدى صدقه وثباته.
كرر الخضير أن فتاواه السابقة، والتي كانت فتيل التفجيرات الفكري، ومرجعيتها الشرعية، كانت تجربة مر بها، ووصم التيار الجهادي بأنه من الخوارج، لكنه تفاءل بأنه لن يستمر طويلاً، إذ ان الخط التكفيري هو «موجة أو فقاعة» خصوصا فيما يتعلق بالشباب.
وأضاف: لأن الشباب المتحمس عندما بدأ يرى الفكر التكفيري دون أن يكون هناك من يوجهه لجأ إليه، إضافة إلى سوء فهم الشباب للفتاوى وتفسيرهم الذاتي والخاطئ للآيات القرآنية والأحاديث النبوية. ودعا إلى ضرورة تكاتف جميع مؤسسات الدولة في سبيل مقاومة هذا المنحى ومن ثم القضاء عليه. ولعل أقوى وأصدق عبارة قالها هي عندما تحدث عن شعوره حيال تفجير «مجمع المحيا» إذ قال: «أحزنني التفجير كثيراً، ولما سمعت هذا الخبر ما تمالكت أن بكيت». ولعل هذا الموقف هو سبب توبته ونوبته إن لم يكن ضعيفاً في تحمل ظروف السجن والاعتقال.
وحول تكفير المجتمعات، قال الخضير: إنه لا يرى أن مجتمع السعودية كافر ولا يوجد سبب للخروج، كما اعتبر أن علماء السعودية يتسمون بالوسطية، فلا غلو وتفريط، وأثنى على الشيخين؛ عبدالعزيز بن باز ومحمد بن عثيمين، لافتاً إلى نقطة مهمة، وهي أن غياب المرجعية الشرعية في البلد هي من أهم عوامل التطرف والانحراف.
هذا الاعتراف يحمد للخضير في كل الأحوال، ويبرهن، حسب الظاهر، على حسن نواياه، وسعيه للتيقن والتثبت، واستعداده الرجوع إلى الحق كلما استبان له خطأ موقفه. كما أنه إنجاز مهم، وعميق الدلالة في الحرب على الإرهاب، إذ يخلخل البنية الشرعية التي يستند إليها، ويقوم عليها. ومن غير المعروف إن كان الخضير قد توصل إلى هذه القناة نتيجة التأمل والمراجعة، أم عبر محاورات مع مشايخ آخرين أثناء سجنه، خصوصا أنه أشار إلى تراجع بعض سجناء التيار الجهادي عن مواقفهم بعد أن حاورهم هو، وبين لهم خطأهم، وحدة انحرافهم.
يلحظ المرء أن الأحداث تتبدل سريعاً في السعودية، وتتوالى مفاجآتها تباعاً، لكن الإيجابي فيها، أنها تفتح حلقات من الارتياح والطمأنينة، وتسير إلى نهاية قريبة، وقد تكون حاسمة، لحالة العنف والتوتر والدمار التي ولّدها نشاط التيار الجهادي.
الأمل أن يمتلك أفراد آخرون كثر الجرأة ذاتها، التي امتلكها الشيخ علي الخضير ليعلنوا أن الحق هو بغيتهم ومطلبهم، وليس المباهاة والعناد والمراوغة!
ويا ليت أن يجلس آخرون المجلس الذي اتخذه الخضير لتدشن السعودية صفحة جدية في مسيرتها، ولتحرك مساراتها الإصلاحية المعلقة بسبب الإرهاب.
جاسر الجاسر
«من موقع ايلاف»
|