الأحداث التي حصلت مساء السبت الرابع عشر من رمضان والجريمة النكراء التي ارتكبها القتلة المجرمون لا تدع مجالاً للشك بأن أولئك المجرمين هم من جند إبليس الذين أطاعوه طاعة عمياء دعتهم إلى الاستجابة لأمره فقاموا بعمل يجمع مقومات الشر كلها، فقد قتلوا مسلمين مسالمين كانوا في بيوتهم آمنين مطمئنين لم يدر بخلدهم ما سيقع لهم، قتلوا أطفالا أبرياء ونساء وأسرا قضت بأكملها في لحظات، قتلوهم في شهر الصوم، أغلب الظن أن من ارتكب هذا الجرم الشنيع ليس مؤمناً أصلا بل ربما ليس في قلبه ذرة من الإنسانية، في يقيني أنهم ليسوا ممن يسمون بالمتشددين ولا المتطرفين لأن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها لأي إنسان مهما تجرد من إنسانيته ناهيك بمن ينتسب للإسلام، لابد أن هؤلاء شياطين لكن كيف والشياطين تصفد عند دخول الشهر الكريم؟ الحقيقة أن الإنسان يحتار فيمن يكونون فالضحايا عرب ومسلمون ليس لهم يد في أي خلاف أو اختلاف أو ثأر أو حقوق أو تصفية حساب، هم لا يعرفونهم أصلاً، أليس عجيباً أن يقتل شخص شخصا أخر هو لا يعرفه وليس بينه وبينهم ثأر ولا حقد ولاضغينة. أذن هو قتل من أجل القتل، فمن قام بهذا العمل متعطش للدماء أو هو لا يملك من أمره شيئاً بل هناك من غسل مخه وأقنعه بأن القتل هدف سام يحقق مصالح ويجلب نفعاً، تماماً كما نرى في بعض الأقلام الخيالية حيث تجري عملية في مخ إنسان أو يحقن بإبرة فيصبح شخصاً آخر يوجه لأعمال إجرامية عن بعد بجهاز تحكم، من قام بالعمل الإجرامي ليسوا للأسف، سوى أدوات أومخالب يغرسها ذوو نفوس مريضة في أجساد بريئة. يتلذذون برؤية الدماء تسيل بغزارة والأشلاء تتناثر والمساكن تدمر والأجسام تتمزق والأطراف تتطاير ودموع الأهل والأقارب تسكب غزارى على الأحبة أم ثكلى وزوجة أرملة وطفل يتيم، وأسر تفقد أعز ما تملك.
الغريب أنه بدأت ترتفع أصوات تقول وكأنها تسدي نصيحة لأولي الأمر وكأنها شفقة على البلاد وأهلها. هذه الأصوات تقول تحاوروا معهم اعرفوا ماذا يريدون، استجيبوا لمطالبهم، لكنهم ينسون أن يقولوا من هم وكيف يمكن التحاور مع أشباح؟ أتصور بعض المسئولين في البلاد وقد جلسوا في قاعة وليس أمامهم سوى الجدران ثم يبدأون في الحديث مع من لا يرونهم ويسألونهم ماذا تريدون؟ ولماذا تفجرون؟ وكيف يمكن لنا أن نحقق رغباتكم، فتجيبهم أصوات لايرونها نريد كذا وكذا. للأسف الشديد من يدعي المسئولية للتحاور معهم غاب عن باله أنهم غير معروفين، بل غير موجودين، ربما أن هؤلاء الأشرار يقيمون خارج المملكة، ولهم وكلاء هم همزة الوصل بينهم وبين من يقوم بالتفجير وهمزة الوصل هذه هي من سينقل مطالبهم تماماً كما نقلوا تعليمات العقول المدبرة الشريرة إلى الأدوات ليقوموا بالمهمة. هكذا أتصور التحاور. الأكثر غرابة أن بعض من يدعو للتحاور بعضهم لا نشك في نزاهته وصدقه ولكن لم يحسبوا حساباً دقيقاً لما دعوا إليه، فظن بعضهم الظنون، وبحسن نية أثاروا الشكوك حول أنفسهم، فبأي صفة يدعون للتحاور.
التحاور في أساسه شيء مطلوب ومحبب لكن ليس في هذا الوقت وبالطبع ليس مع هذه الفئة الباغية، اعتقد أن من يطالب بالتحاور لم يوفق في التوقيت، فبدا مطلبهم وإن كان صائبا في أساسه إلا وكأنه إذعان لهؤلاء القتلة ولمطالبهم إن كان لهم مطالب. التحاور يكون مع ذوي النفوس الصافية الخيرية التي تريد أن توصل رأيها ومستعدة لسماع الرأي المختلف دون رأي مسبق أو حكم جائر على الآخرين لا أحد يرفض سماع ما يقوله الآخرون على شرط الموضوعية والشفافية وسلامة القصد وروح التسامح والاستعداد للإقناع والاقتناع، أما أن يكون مشروطاً في وقت محدد ولظرف معين ومع فئة ناشزة خارجة على الإجماع ولتحقيق أغراض مشبوهة فلا أضمن أن أحداً مستعد للجلوس معهم.
في نظري أن التحاور مشروع في الظروق المناسبة وعندما تكون الأمة غير مشغولة بتحقيق الأمن ولتأمين الحد الأدنى وهو سلامةالمواطن والمقيم أولاً، نحن نعيش في ظرف يستلزم حشد جميع الطاقات وعلى كل المستويات للمحافظة على أمن وسلامة الوطن الذي حاول المارقون النيل منه ومن وحدته وتماسكه، أعتقد أن التحاور في هذا الوقت بالذات هو نصر للبغاة ومكافأة للجناة وهدماً لحقوق ضحايا التفجير واستهانة بمآسيهم وهذا ما لا ترضاه الدولة فالجاني يعاقب عقاباً يستحقه لا أن تمد له الأيدي ويفرد له في المجالس ويعطى ما يريد. هذا حلمه الذي يحلم به ولا أعتقد أن أي بلد يتعرض لمثل هذه الأحداث مستعد للتحاور والجلوس مع من اختار طريق القتل والتدمير بل لابد من الاقتصاص من الظلمة وأخذ حقوق المظلومين وإعادة الأمن والطمأنينية للمواطنين. لا ياسادة هذا ليس وقت التحاور خاصة مع الفئات المارقة، هذا هو وقت العمل الجاد والصارم، ثم بعد الاستقرار واستتباب الأمور ومعاقبة المجرمين يمكن محاورة من ليس له يد في الإثم ولم يكن له علاقة به من قريب أو بعيد. من طلب التحاور لم يحدد مع من ولكن ذكر بأن الهدف هو إيقاف العنف والتفجيرات، وكنت أتمنى أن يأتي الرد من المسئولين بالرفض التام لهذا الهدف فقط، ولقد سمعت الرد واضحا وجلياً، لا تحاور مع من تسبب بهذه المجازر المؤلمة وإنما العقاب الشرعي الذي أوصى ديننا الحنيف به قال تعالى { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) }الآية لم يقل الله تعالى حاوروهم أو استجيبوا لمطالبهم، هذا هو منهج الإسلام، منفذو التفجيرات قد قطعوا خط الرجعة على أنفسهم وليس لهم إلا أن يسلموا أنفسهم ليحكم فيهم بشرع الله. لا أن يفاوضوا ويمنحوا كل أو بعض ما يطلبون، فالجرم يعاقب ولا يكافأ.
الحقيقة التي يجب أن لا تغيب عن البال أن التحاور بين أبناء الوطن بجميع فئاته دون استثناء هو مطلب مشروع نشترط ألا تكون يد أي أحد منهم ملطخة بالدماء البريئة، التحاور بين الفئات المختلفة الهادفة إلى إشاعة روح التسامح والمحبة والاعتراف بالرأي الآخر وتقديره ومراجعة كل فئة لآرائها ومناقشتها وتقريب وجهات النظر لا يشك أحد في أهميته، وأعتقد أن هذا يريده من يطالب بالتحاور ولكن لم يوفق في التوقيت ولا بتوضيح وجهة نظره فأعطى انطباعاً نأمل أن يكون خاطئاً بأن المقصود هو التحاور مع عصابات الشر والإجرام.
على من يطالب بالتحاور الآن أن يوضح قصده حتى لا يظن به الظنون ويبدو كما لو كان يتبنى وجهة نظر الجناة، وأنا على ثقة أنهم لايقصدون ذلك ولكن وسائل الإعلام الخارجية المغرضة قد تلقت ذلك بفرح وسرور ورأت فيه فرصتها كالعادة للنيل من هذا البلد الكريم وأهله ومسئوليه وإلا فما سر هذه الاهتمام بالتفجيرات وتضخيم الأحداث وكأننا البلد الوحيد الذي تحصل فيه هذه الأحداث المؤلمة، للأسف يكاد لم يسلم بلد من مثلها. ولكنها في النهاية ومع إيلامها لم تؤد إلى زعزعة نظام وإنما اقتنع منفذوها في نهاية الأمر بعدم جدواها فتخلوا عنها. وأعتقد إن شاء الله ان العافية هي لمزيد من الأمن والاستقرار للمملكة واندحار وفشل ذريع للعصابات الآثمة.
نسأل الله أن يجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وأن يهدي من أضله الله فسلك سبيل الشر وانحرف عن جادة الخير والصواب إنه ولي ذلك والقادر عليه.
|