الحمد لله الذي جعلنا من أمة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وأطعمنا من كل جوع وآمنا من كل خوف في هذه البلاد المقدسة بلاد الحرمين الشريفين في ظل قيادتنا الحكيمة، والحمد لله الذي أكرمنا بهذا الشهر العظيم، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار والذي نعيش العشر الأواخر الفاضلة منه، نسأل الله العلي القدير أن يمنَّ على الجميع بالقبول والعتق من النار.
إننا فعلاً بفضل الله نعيش في جو مبارك مفعم بكل معاني الخير والرحمة.. ولا أدري كيف تجرأ فيه هؤلاء النفر من قومنا الذين تربوا على هذه الأرض الطاهرة وتغذوا بخيراتها ونهلوا من علمها وتطببوا في مصحاتها.... أن يخزنوا الأسلحة والمتفجرات في بلد الله الحرام مكة المكرمة، وأن يقدموا بعد ذلك على هذا الفعل الشنيع والذنب العظيم في هذا الشهر المبارك بتفجير المجمع السكني بالرياض والذي يعتبر معلما من معالم نهضة بلادنا الغالية والذي راح ضحيته وهو الأهم العشرات من الأبرياء من شيوخ ونساء وأطفال..
ما هذا يا قوم..؟ أين حبنا وانتماؤنا لتراب هذا الوطن الطاهر ومنجزاته وإنجازاته...؟ أين عقولنا...؟ أي مبدأ هذا وأي عقيدة هذه...؟ أي فكر هذا وأي ثقافة هذه تبيح الهدم والإفساد في الأرض وترويع الآمنين وقتل هؤلاء الأبرياء...؟ أين أبصارنا وبصائرنا من القرآن الكريم الذي تربينا عليه ويتلَّى ليل نهار على أسماعنا خاصة في شهر القرآن الذي مازلنا نعيش روحانياته الفيَّاضة بالبشر والخير...؟ ألم نسمع قول الله تعالى:
لقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة لابن كثير رحمه الله: أن هذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا (الذنب العظيم) الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية من كتاب الله، حيث يقول سبحانه في سورة الفرقان: { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } وقال تعالى: {قٍلً تّعّالّوًا أّتًلٍ مّا حّرَّمّ رّبٍَكٍمً عّلّيًكٍمً أّلاَّ تٍشًرٌكٍوا بٌهٌ شّيًئْا} الآية ، والآيات والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جداً فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء).. «وجاء في مسند الإمام أحمد: عن أبي إدريس قال: سمعت معاوية رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً)..
إن في هذه الآيات العظيمة والأحاديث الشريفة وهي غيض من فيض مما جاء في شرعنا المطهر من التهديد الشديد والوعيد الأكيد لمن أقدم على هذا الذنب العظيم من تخزين للأسلحة والمتفجرات وقتل للأبرياء في هذه البلاد الطيبة التي اختارها الله أن يكون فيها البيت الحرام، بل حتى أيضاً لمن يفكر في هذا الذنب العظيم بمجرد التفكير كما قال تعالى:
{ وّمّن يٍرٌدً فٌيهٌ بٌإلًحّادُ بٌظٍلًمُ نٍَذٌقًهٍ مٌنً عّذّابُ أّلٌيمُ} وذلك لكي يتجنبه، بل يمقته أشد المقت كل من له قلب حي وضمير متقد وبصيرة مستنيرة حتى لا ينخدع ولا ينجر وراء أوهام خادعة يروِّجها من يريد الفتنة والفرقة بين المسلمين.
إنها فعلا فتنة عظيمة يسعى ويوقد نارها أعداء المسلمين حتى تحصل الفرقة بين أبناء المسلمين في الوطن الواحد وحتى بين الأشقاء في الدول المجاورة لكيلا تقوم للمسلمين قائمة...! وذلك ليؤكد هؤلاء الأعداء صحة اتهاماتهم الباطلة بأن المسلمين متطرفون بين الأفراط، والتفريط، أي: بين الغلو والتشدد الممقوت في الدين، والانفلات البهيمي الذي يصاحبه عادة البذخ والإسراف في صرف الأموال الطائلة في الحرام، والحمد لله ان فئة المتطرفين هذه في مجتعنا قليلة، ولكن الخير يخص والشر يعم -كما قيل-... وحتى وإن كانت فئة صغيرة فهي تشكل شريحة من شرائح المجتمع التي يلزم تجفيف، بل قطع مصادرها وفي نفس الوقت إيقافها، بل وأدها في مهدها وذلك بتظافر جهود جميع شرائح المجتمع، وذلك لأن (أمن بلادنا أمانة في أعناقنا) حتى نأمن شرهم وتعيش بلادنا في أمن وأمان بإذن الله، وأيضاً لكيلا نترك مجالا للأعداء أن يتربصوا بنا وبسمعتنا والنيل من ديننا...
إن هؤلاء الأعداء حريصون كل الحرص على استقطاب السذج من أبناء المسلمين والتركيز عليهم والتغرير بهم وإغراقهم في هذا التطرف الممقوت بوجهيه.. وهذا التخطيط البغيض من قبل الأعداء ليس آنياً وإنما منذ عشرات، بل مئات السنين، وذلك لأن هؤلاء الأعداء يعرفون تماماً أن اتحاد المسلمين وتماسكهم يشكل خطراً كبيراً جدا عليهم وعلى مراكزهم وتأثيرهم على أصحاب القرار في كثير من الدول...! وهم أيضا يحسبون حسابا بعيدا يتخوفون منه خوفا شديدا وذلك من دخول أبنائهم المتزنين - ومن يأتي بعدهم من أجيال قادمة- المتعطشين إلى دين يملأ فراغهم الروحي... إلى دين يهدي إلى التي هي أقوم.. إلى هذ االدين الحنيف على المنهج الصحيح الذي ينادي بالاعتدال والوسطية، كما قال تعالى:{وّكّذّلٌكّ جّعّلًنّاكٍمً أٍمَّةْ وّسّطْا لٌَتّكٍونٍوا شٍهّدّّاءّّ عّلّى النَّاسٌ وّيّكٍونّ الرَّسٍولٍ عّلّيًكٍمً شّهٌيدْا}
فهل نعي ما يحاك ضدنا ويخطط علينا ونلتف حول قيادتنا....!
لذا فإننا مطالبون جميعاً في كل وقت وحين وخاصة في أيامنا هذه التي يعيش فيها المسلمون في حالة من التمزق يرثى لها... وأمام هذه الأحداث الدامية التي تزيد من هذا التمزق في كل بلاد المسلمين - المستهدفين- وخاصة في بلاد الحرمين الشريفين لكونها قبلة المسلمين وقلبها النابض وكل المسلمين المخلصين يهمهم استقرارها وما تقوم به وما تقدمه لهم في محنهم وما تقوم به أيضا من واجب تجاه ضيوف الرحمن ليتمكنوا من أداء الحج والعمرة في سهولة ويسر وأمن وأمان بعون الله.
فالله الله أيها المربون في المدارس والمعاهد والكليات والجامعات وذلك بالتركيز على الكثير من المواد وخاصة الثقافة الإسلامية والتربية الوطنية بتضمينها أيضا ما يجعلها أكثر فعالية في نفوس أبنائنا الطلبة ليكونوا أكثر حرصاً وحباً وانتماءً للوطن.. والله الله أيها الآباء والأمهات في الاهتمام بالأبناء والحفاظ عليهم من شر الانزلاق في دياجير ظلام الفرقة ونركز على دور الآباء والأمهات في هذه التربية المنشودة لكونهم القدوة الأولى والفعالة في نفسية وشخصية أبنائهم في المأكل والمشرب والملبس والمأوى والمركب والسؤال عنهم باستمرار وعن حرصهم على واجباتهم الدينية ومتابعتهم دراسياً وخلقياً ومع من يقضون وقت فراغهم ومساعدتهم في كل ما يجنبهم السقوط في مهاوي الردى والخسران في الدنيا والآخرة.. وذلك للمحافظة على أرواحنا جميعا ومقدساتنا وقيمنا ومنجزاتنا لنكون بعون الله أكثر اتحاداً وتماسكاً، لنثبت للجميع بإذن الله على المنهج الصحيح لهذا الدين الحنيف الذي فيه سعادة الدنيا والآخرة والذي ارتضاه لنا رب العزة والجلال بقوله سبحانه:
{اليّوًمّ أّكًمّلًتٍ لّكٍمً دٌينّكٍمً وّأّتًمّمًتٍ عّلّيًكٍمً نٌعًمّتٌي وّرّضٌيتٍ لّكٍمٍ الإسًلامّ دٌينْا } صدق الله العظيم.
|