Wednesday 19th november,2003 11374العدد الاربعاء 24 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رأي اقتصادي رأي اقتصادي
الاقتصاد الإسلامي وهندسة الحلول
د. محمد اليماني

من الطبيعي أن تمر المجتمعات بأزمات اقتصادية مختلفة، ومن الطبيعي أن تسعى لعلاجها، وعادة ما تكون أساليب العلاج وطرائقه وآلياته نابعة منه ومرتكزة على النظام الاقتصادي السائد في المجتمع، ومرتبطة بقيمه ومبادئه، ذلك أن المشاكل الاقتصادية التي تصيب المجتمعات وإن تشابهت في شكلها الخارجي وأعراضها إلا أن مسبباتها في كثير من الأحيان مختلفة والعلاج يكون ناجعاً متى توجه إلى السبب، ولعل من سوء حظ الدول النامية والإسلامية منها بشكل خاص أن تكون مستوردة في جميع أحوالها حتى لمشاكلها وحلولها، وأصبحت الحلول التي توصف لعلاج المشاكل الاقتصادية في الدول الصناعية هي ذاتها أو قريب منها التي توصف لعلاج مشاكل الدول النامية الاقتصادية، وفي أفضل الأحوال ربما تختلف أشكال العلاج وصوره لكن يظل المضمون والمحتوى متحداً.
وجميع هذه الحلول تعالج الجوانب المادية وتهمل المعنوية والتي ربما كانت هي سبب الداء والمشكلة، وفي أحيان أخرى يكون العلاج هو الداء، لكن إذا كانت الحلول مستوردة بعيدة عما عليه المجتمع من أسس ومرتكزات فهذه نتيجة متوقعة، ويؤمن المسلمون - منطلقين في ذلك من دينهم - بوجود قدر من التصرفات والمعاصي الفردية والمجتمعية التي رتب الله على اقترافها عقوبات دنيوية اقتصادية تأخذ شكل ما يعرف بالمشاكل الاقتصادية، وبالتالي فإن العلاج يكمن في معالجة سبب الداء والقضاء عليه، ويكون المسلمون مخادعين لأنفسهم وغير مؤمنين بدينهم حق الإيمان عندما يتجاهلون هذه الحقيقة، ويلغون الارتباط بين السبب والنتيجة، فعندما تكون الحرب من الله النتيجة الحتمية للتعامل بالربا، وهذه علاقة ارتباط لا تختلف بنص القرآن، فما ناتج هذه الحرب إلا كم هائل من المشاكل والمصائب، والحل واضح لا يحتاج إلى مزيد من الدراسات والاستشارات واللجوء إلى بيوت الخبرة، وعلى غرار هذا المثال هناك الكثير.
وتكون الأمور أكثر سوءاً عندما يفقد البعض القدرة على التميز بين الداء والدواء ويتجرع السم القاتل ظاناً أنه الدواء بجامع أن طعم كل منهما غير مستساغ فاختلط عليه الأمر، فيسارعون إلى حل مشاكلهم عن طريق آليات ووسائل وأدوات محرمة شرعاً وقد رتب الشارع على استخدامها عقوبات دنيوية، والنتيجة الطبيعية هذه الحالة أيضاً مزيد من المشاكل الجديدة واستفحال وتفاقم القديم منها.
وكلا الأمرين مشاهد وملموس في حال المسلمين اليوم سواء على مستوى الفرد أو المجتمع فالمشاكل تزداد يوماً بعد يوم وتتعقد مع الزمن حتى ليقتنع المتابع البصير أنه لا فكاك ولاخلاص من هذه المشاكل التي لم تجد معها الحلول على اختلاف منطلقاتها وتنوع مشاربها نفعاً، وأنها حتماً قاضية على المجتمع ومفضية به إلى الانهيار.
ما يحتاجه المسلمون للتغلب على مشاكلهم هو القدرة على تشخيص المشكلة وطبيعتها بدقة، ومن ثم وصف العلاج المناسب المنطلق من دينهم وقيمهم وواقعهم، لا استيراد علاج يتعارض مع هذه الأمور كلها، وفي هذه الحالة، تبرز الحاجة إلى ابتكار حلول غير تقليدية وغير نمطية تجمع بين الاعتبارات المادية والمعنوية وتنطلق من أسس المجتمع وثوابته.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved