Wednesday 19th november,2003 11374العدد الاربعاء 24 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

العولمة: تجريدها من إيجابياتها وتضخيم سلبياتها إرهاب للشعوب المحرومة وقمع لتطلعاتها (3/6) العولمة: تجريدها من إيجابياتها وتضخيم سلبياتها إرهاب للشعوب المحرومة وقمع لتطلعاتها (3/6)
مضواح بن محمد آل مضواح

أ- فئة يسعى أفرادها إلى التغيير لكنهم لا يملكون الوسائل اللازمة وربما تم إسكاتهم بالملاحقة والإيذاء وتشويه السمعة.
ب- فئة تتحقق مصالح أفرادها بإبقاء العالم العربي يعيش في أتون هذا التخلف.
وعلى الرغم من أن تخلف عالمنا العربي ذا طيف واسع إلا أنه يمكن تأطير أهم أسبابه في المجالات الاقتصادية، والتربوية، والعلمية، والثقافية، والدينية، والسياسية، والصناعية، والتكنولوجية، والأخلاقية، والاتصالات والمعلومات والمجالات المتعلقة بالعدل والحرية والمساواة. ويمكن القول وبثقة، ان الدول العربية تعاني من التخلف في أغلب مجالات الحياة، وأن تشريح واحد من هذه المجالات يعد تشريحاً لجزء بسيط من جسم التخلف العربي، وفيما يلي سأسلط الضوء على جوانب من تخلف العالم العربي في أربعة من هذه المجالات في مرحلة ما قبل العولمة، وهي مرحلة تظهر فيها أكثر صور هذا التخلف وضوحا، ولا يعني هذا أنها مرحلة قد انفصلت وأصبحت في عداد الماضي، بل هي متصلة بالحاضر تبعا لاتصال التخلف العربي الذي أراه يمتد من الماضي إلى الحاضر، وأخاله يسير باتجاه المستقبل، لكنني واثق أنه في تناسب عكسي مع العولمة، ولعلني أستطيع البرهنة على وجود هذا التناسب العكسي عندما نصل إلى مناقشة إيجابيات العولمة على العالم العربي، بعد أن نفرغ من استعراض أوجه التخلف العربي في المجالات الأربعة الآتية:
أولا - في المجال الاقتصادي:
ليس صدفة أن تتفق الإحصاءات والتقارير المتعددة التي تناولت الاقتصاد العربي على عجز هذا الاقتصاد في صورته وقت صدورها عن مواكبة التقدم الاقتصادي العالمي، ومن تلك التقارير: تقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية لعام 1999م والتقرير الاقتصاد العالمي الصادر عن مركز الدراسات والمعلومات الدولية بباريس لعام 1998م، ومجلة الوحدة الاقتصادية العربية لعام 2000م، فهي جميعاً تؤكد على أن العالم العربي يمتلك 65% من الثروة النفطية في العالم، وأن عدد سكانه يتجاوز نسبة 4 ،4% من سكان المعمورة، كما أن القوى العاملة العربية تقدر بنحو مائة مليون شخص، وتؤكد كذلك على أن قيمةالصادرات العربية المعلنة عام 2000م بلغت (197) مليار دولار، تمثل قيمة الصادرات النفطية منها ما نسبته 2 ،59%، أما الواردات فقد بلغت قيمتها (5 ،152) مليار دولار منها (11 ،23) مليار دولار قيمة حبوب، إلا أنه على الرغم من هذه الثروات الهائلة، المادية والبشرية، التي تمتلكها الأمة العربية فإن نسبة البطالة في العالم العربي تبلغ 30%، كما أن نسبة 22% من العرب يعيشون على أقل من دولار واحد يوميا، ونسبة 52% يعيشون على ما يقدر ب 2-5 دولارات يومياً، وتؤكد الدراسات المعنية بموشرات الفقر أن أكثر من نصف سكان الوطن العربي يعيشون تحت خط الفقر، كما تؤكد التقارير والنشرات العلمية الاقتصادية أنه على الرغم من هذه الأرقام الهائلة لقيمة الصادرات والواردات فإن التجارة العربية البينية لم تتجاوز (14) مليار دولار أي ما نسبته 4% من قيمة التعاملات التجارية العربية من وإلى الأسواق غير العربية، وتؤكد كذلك على تدني الإنتاج العربي من حيث الكم ورداءته من حيث الجودة عدى الإنتاج النفطي ومشتقاته لكونه صناعة غربية ألبست ثوباً عربياً.
وللمقارنة والبرهنة على تدني الإنتاج العربي في المجال الزراعي بخاصة رغم توفر الإمكانات الطبيعية الهائلة، نجد أنه خلال عام 1998م لم ينتج عشرون مليون فلاح مصري سوى ما قيمته (400) مليون دولار من الصادرات الزراعية، في حين تجاوزت مبيعات أحد الأفلام الأمريكية خلال العام نفسه (800) مليون دولار، وتجاوزت مبيعات فيلم تايتنك (2 ،1) مليار دولار، ولم يشترك في صناعة هذين الفلمين سوى (700) شخص!.
والحديث عن الاقتصاد العربي يتطلب الحديث عن الديون العربية، وفي هذا الجانب نجد الأمر مفزعاً للغاية، فحتى الدول النفطية قد غرقت في هذا الوحل على خلاف ما هو مفترض، فقد تبين أن ديون بعض دول مجلس التعاون الخليجي لوحدها عام 2000م تجاوزت (51) مليار دولار، وتجاوزت ديون العراق خلال العام نفسه (126) مليار دولار، هذا في الوقت الذي تجاوزت فيه الأموال العربية المستثمرة في الخارج والمودعة في البنوك الأجنبية (000 ،000 ،000 ،400 ،2) دولار عند أقل تقدير، منها (300) مليار دولار من مصر لوحدها، ويعد هذا من أقوى الأدلة على استشراء الفساد المالي والاقتصادي عند العرب، هذا في حين أن الأموال الأجنبية الخالصة والمستثمرة في الوطن العربي لا تتجاوز (5 ،9) مليار دولار، وهنا يتضح بجلاء أن الدول العربية أقل الدول جذباً للاستثمارات وأكثرها طرداً للأموال.
وإذا ما نظرنا إلى ديون الدول العربية مجتمعة فسنجد أنها تتجاوز (000 ،000 ،000 ،560) دولار تبلغ فوائدها السنوية (000 ،000 ،000 ،40) دولار. والجدول التالي يعطي صورة جزئية عن بعض هذه الديون:
الدولة المبلغ بالمليارات الدولة المبلغ بالمليارات
مصر 50 اليمن 5
الجزائر 5 ،37 لبنان 5
سوريا 3 ،18 عمان 1 ،3
المغرب 5 ،17 الصومال 2 ،2
السودان 9 ،16 موريتانيا 5 ،1
تونس 6 ،11 جيبوتي 356 مليون
الأردن 3 ،7
وعند النظر إلى التنمية نجد أن معظم الدول العربية لاتزال توجد فيها مناطق شاسعة موغلة في التخلف، يعيش أهلها عيشة بائسة ولا ينعمون حتى بأدنى مستوى من مستويات التنمية والحضارة، فالإحصاءات تؤكد على أن معدل الصرف على البنى التحتية لا يتجاوز (32) دولارا في السنة مقابل كل فرد، في حين أن هذا المعدل يصل في أقل الدول المتقدمة إنفاقاً على هذا المجال (1133) دولارا في العام، هذا فضلا عن ضعف الترابط بين التخطيط والتنفيذ إلى حد أن بعض خطط التنمية تهدم ما بنته أخرى، ولعل هذا هو ما دعا الأمم المتحدة إلى أن تصف الدول العربية في تقريرها عن التنمية في العالم لعام 2002م بقولها: «الدول العربية غنية بالموارد فقيرة في التنمية».
وتؤكد منظمة الموارد العلمية والتكنولوجية ببريطانيا في ندوتها عن التكنولوجيا والتنمية عام 1994م على تردي الصناعات العربية، ويفهم من تقرير هذه الندوة أيضاً أن الصناعات العربية لا تكاد تذكر حتى على مستوى الاستهلاك المحلي، فالدول العربية تستورد حتى الأقمشة والملبوسات التي لا يرتديها إلا العرب، وإذا ما وجدت صناعات في بعض الدول العربية فهي صناعات تحويلية وخفيفة تنتج معظمها بخبرات أجنبية وفي مصانع أنشئت بطريقة تسليم المفتاح ولم تشارك الكوادر الوطنية في إنشائها، بل وأنتج كل مسمار فيها خارج الوطن العربي، وعلى هذا فإن قدرة الكوادر الوطنية التي تتولى تشغيلها محدودة جداً في مجال التطوير، ولقد أدى هذا الاعتماد على الخبرات الأجنبية إلى الارتباط بالمصالح الأجنبية على حساب المصالح الوطنية.
ثانياً - في المجال التربوي والعلمي والثقافي:
يبدو أن عصور التخلف التي عاشتها الأمة العربية وتعيشها قد ساهمت في غياب العقلية العلمية عند معالجة أمور الحياة العربية وفي مواجهة الآخرين إلى حد كبير، فطغى عنصر الجمود وقتلت روح التجديد والابتكار إلا ما ندر، ومن أكثر مجالات الحياة تأثراً بهذه الحالة العربية الخاصة المجال التربوي والعلمي، فالأمية في الوطن العربي مرض فتاك، إذ تبلغ نسبتها 25% من إجمالي عدد السكان، أي حوالي 75 مليون أمي، وتصل بين النساء إلى نسبة 74% وبالإضافة إلى ذلك أكد التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 1998م أن الإنفاق على التربية والتعليم في أغلب الدول العربية هو الأقل بين دول العالم فنصيب الفرد من هذا الإنفاق عام 1994م لم يتجاوز (110) دولارات، في حين أن أقل معدل له في البلدان المتقدمة يبلغ (1211) دولاراً.
من المؤسف أن تخلف العرب ليس طبيعياً فحسب بل مصطنع أيضاً، فقد أدى سوء التخطيط لمواجهة المشكلات التربوية والتعليمية في بعض البلدان العربية إلى التوسع الكمي على حساب النوعية فظهرت أمية أخرى لا تقل وطأة عن سابقتها وهي أمية المتعلمين، فالحشو، والتلقين، والانفصال عن الواقع، وتخريب ذاكرة الأجيال بكميات هائلة من المعلومات اللفظية، وتقديم المعارف الكاسدة، والدعاية التاريخية المنمقة، والدعاية الشخصية الزائفة، والتباكي على إنجازات الماضي، من أوضح السمات التي تميز المواد التعليمية لبعض الدول العربية، ليس هذا فحسب بل إن التربية في بعض الدول العربية تبدو كما لو أنها قد وضعت خصيصا لتهيئ الناشئين لقبول واستمراء التخلف، وقسرهم على العيش في ثقافة زمن مضى عليه مئات السنين، وتمجيد التباكي على الأطلال المكانية والحضارية والتاريخية، وبعث الخرافات والأساطير التي ظهرت في الأساس لتبرير الجهل والعجز الإنساني في الماضي.
وإذا كانت التربية المثالية تحرص على التوازن بين التعليم العام والتعليم المهني والفني لإحداث أكبر قدر ممكن من التجانس مع حاجات المجتمعات فإن هذا ما تفتفر إليه التربية في معظم البلاد العربية، والقول ينطبق أيضاً على التعليم الجامعي فرغم ما طرأ عليه من توسع إلا أن التخطيط لهذا التوسع ضعيف الصلة بالحاجات الفعلية فهناك تخصصات تشكو من قلة الخريجين وأخرى لا يجد خريجوها أعمالا تناسب تخصصاتهم بعد تخرجهم، وربما يقضون من الوقت أضعاف مدة الدراسة الجامعية قبل الحصول على أي عمل.
أما البحث العلمي لأساتذة الجامعات العربية فتغلب عليه الصفة الفردية، وفي الغالب الأعم تكون البحوث فيها استمراراً لما قام به أعضاء هيئة التدريس أثناء دراستهم في الخارج، ويهدف إلى الترقية العلمية أو الكسب المادي ليس إلا، وإن كان الأمر لا يخلو، خارج الجامعات بخاصة، من بحوث عربية جادة، لكن استغلال نتائجها يبدو شبه معدوم، فالوطن العربي يفتقر إلى خطط استثمار براءات الاختراع العربية والأجنبية، ولعل هذا من أقوى الأسباب التي جعلت عدداً كبيراً من المبتعثين العرب يفضل البقاء في الغرب على العودة إلى وطنهم، وكثير ممن عادوا إلى أوطانهم هاجروا إلى الغرب مرة أخرى، لكونها أوكلت إليهم مهاماً إدارية بعيدة عن تخصصاتهم، وأجبروا على العمل في ظل أنظمة منخفضة الكفاءة.
يبدو العالم العربي في ظل هذا التخلف خالياً من أي توجه أو هدف للإنتاج العلمي المنافس، وتبدو مؤسساته التربوية والعلمية كما لو كانت خالية من أي طموح أو رغبة حقيقية في الإنجاز العلمي، وقد ظهر لهذه الحالة العربية الخاصة نتائج محزنة كان من بينها غياب العرب عن جوائز نوبل في جميع العلوم التطبيقة.. تؤكد ذلك رسالة اليونسكو الصادرة عام 1995م فقد رتبت الدول الأكثر إنتاجاً علمياً خلال آخر اثنتي عشرة سنة قبل صدورها على النحو الآتي:
البلد من 1984 إلى 1995م البلد من 1984م إلى 1995م
الولايات المتحدة 1 أسبانيا 11
المملكة المتحدة 2 الهند 12
اليابان 3 السويد 13
ألمانيا 4 سويسرا 14
فرنسا 5 الصين 15
روسيا 6 إسرائيل 16
كندا 7 بلجيكا 17
إيطاليا 8 بولندا 18
أستراليا 9 الدنمارك 19
هولندا 10 فنلندا 20
يستنتج من هذا الجدول أيضاً جملة من الحقائق منها:
1- غياب كل الدول العربية عن الساحة العلمية العالمية تقريباً.
2- تقع الهند الفقيرة في المرتبة الثانية عشرة.
3- تقع إسرائيل حديثة النشأة في المرتبة السادسة عشرة متقدمةعلى دول مضى على نشأتها الحديثة مئات السنين.
وإذا كان من أهم خصائص ولوازم البحوث العلمية أنها تحتاج إلى تعاون وثيق بين مراكز البحث العلمي في الجامعات أو خارجها، فإن الأمر في العالم العربي مختلف تماماً، إذ تؤكد منظمة الموارد العلمية والتكنولوجية ببريطانيا أن التعاون العلمي الفعال بين مراكز البحوث العلمية العربية شبه معدوم فيما بينها من جانب، وفيما بينها وبين مراكز البحوث العلمية العالمية من جانب آخر، لا بل إن هناك ما يشبه الخصام والقطيعة بين مراكز البحوث العلمية داخل البلد العربي الواحد، فضلا عما هو عليه الحال بين بلد عربي وآخر في هذا المجال*.
* من الإنصاف أن نشيد بالجهود العلمية لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية فهي بحق أنموذج فريد، لكن جهودها تعاني من الفرديةفي وطن عربي كبير يحتاج إلي جهد جماعي، وتعاني كذلك من منافسات عالمية قوية.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved