في يوم الجمعة من رمضاننا المبارك وفي تاريخ 12/9/1424هـ اطلعت في صفحة شواطئ الناصعة على ما سطره المهندس طارق البكر، عن قصة الخنفشار، وان هذا حال الكثير والله المستعان.. أقول مستعيناً بالله الجواد...
إن المتتبع لطباع الثلة الكاثرة من أبناء جلدتنا.. يجد العجب العجاب!! وتتسع عيناه دهشة لما يرى.. واستغراباً لما يحصل.. كثير منهم لبس جلداً غير جلده، وثوباً غير ثوبه.. إذا جلست مع أحدهم في مجلس ما فترى منه من الادعاء ما الله به عليم.. تجده يظهر لك كأنه علاّمة الزمان.. وفيلسوف عصره.. إن أتيت بفتوى «فلن يقصر في الإجابة» وإن أعطيته اسم شاعر.. عدد لك قصائده - وإن أتيت بأسماء الكتب.. عصر نفسه حتى يخرج لك المزيد من الهراء والأبطيل.. عجباً والله.. لماذا نتقمص شخصيات الآخرين؟!
لماذا لا يلزم كل انسان موهبته؟! لماذا نرغم أنفسنا لكي ندخلها في بحر لا ساحل له.. ونخوض بها في موج متلاطم هادر.. ونحن لا نستطيع المواجهة، ولا نقدر على المجابهة.
أتى أحدهم إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي طالباً منه تعلم «العروض».. فلما بدأ الخليل في تعليمه وتدريسه، وجده لا يبدع في هذا الفن ولا يبرع فيه، فأشار الخليل إلى تلميذه ان قطِّع هذا البيت:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيع
|
وكان الخليل لا يقصد في ذلك التقطيع فحسب !! بل يقصد دلالات أخرى وهي أن يلزم الإنسان ما يقدر عليه، ولا ينهك نفسه في مالا يعرف انظر إلى سيبويه كان طالباً للحديث الشريف، وذات يوم لحن في كلمة ما، فوبخه شيخه وزجره.. فقال رحمه الله، والله لأتعلم علماً لا يجاريني فيه أحد، فحقق الله مراده إذ إنه عالم النحو الأول.. وحبر الزمان في هذا الباب.. أتعلمون لماذا؟ ! لأنه لزم موهبته ولم يجنح لغيرها.. أيها الأحبّة: الكل منا له شيء يميل إليه، وله موهبة يعمل بها.. فلماذا الحيف عن طريق الموهبة، وركوب طرق ليست معبدة، وسلوك فجاج يتيه فيها المرء.. ويضيع في صحرائها.. حتى يموت.. ويدفن تحت سهولها - ورمالها- أتى أحدهم إلى فضيلة الشيخ الدكتور عائض القرني رعاه الله.. وقال له: أريد أن أسمعك قصيدة.. فاسمعه إياها فكان جواب الشيخ حفظه الله أن قال: الحمدلله الذي أخرجها من بطنك ولو بقيت فيك لقتلتك!!
لماذا ياترى!! لأن أبياتها أتت مهشمة، مكسرة تخلو من معالم الإبداع.. وتفتقد لكلمات الإمتاع.. ووالله ما أخال هذا وغيره إلا نابغة في فنٍ غير هذا الفن.. ولو صقل موهبته لأتى بالعجب العجاب.. حدثني أحدهم ممن درسني في المرحلة الثانوية بقوله: كان عندي طالب لايعرف للعلم طريقاً! ولا يعلم له بابا! فكان كثير الرسوب.. وذا درجات متدنية جداً لكنه مع هذا كله كان بارعاً في إصلاح الكترونيات فهو ذو خبرة كبيرة بها.. فلا يكشف عن جهاز إلا أصلحه.. فانظر يارعاك الله إلى من لزم موهبته وسلك دربه الذي عرفه..
ولقد قرأت في كتاب المجلة العربية في عددها الأخير من شهر رمضان المبارك ما كتبه «السالم» عن عبدالله القرعاوي من وحي سيرته الذاتية: يقول: إنه دخل في كلية لا تليق به وبموهبته الأدبية العارمة.. فلقد أنهك نفسه بالفلسفة، فما كان حينها إلا أن أخفق في دراسته بعضاً من السنين وهذا ملمح اكتشفه المؤلف بأن الإنسان لابد وان يلزم موهبته وقديماً قالوا لولا اختلاف الأذواق لفسدت السلعة.. فيا ترى لو أن البشرية برمتهم أصحاب موهبة معينة!! فهل تصلح حينها الحياة..! لكن الله سبحانه وتعالى حكيم عليم لكن! لعل سائلاً يداخلني في مداخلته قائلاً: هب أن إنساناً يحمل موهبة سلبية فهل يلزمها إذن.. أقول له: لو أن إنساناً بارعاً في «التفحيط» وبإمكانه صنع العجائب في ذلك.. فله أن يلزم موهبته تلك.. لكن! بتوظيفها نحو الخير.. فبموهبته التي أعطاها الله إياه.. بإمكانه مساعدة هيئات الأمر بالمعروف.. بإمكانه مساعدة الشرط والدوريات.. لا أحصرها في باب واحد.. لأن الأبواب مشرعة متعددة..
أخيراً أقول للمتقولين: كفاكم.. كفاكم.. فلقد أوجعتمونا بهرائكم.. آلمتمونا.. بثقافتكم المنحطة.. فشعركم شعير.. وثقافتكم هراء.. وادعاؤكم مكشوف للعيان وما أخالكم إلا مرضى! فاسأل الله لكم الشفاء العاجل.
ومضة
لو أن كل إنسان لزم موهبته لاستنار وجه الأمة، انظر إلى يوسف عليه السلام فلقد علم موهبته حين قال: {قّالّ اجًعّلًنٌي عّلّى" خّزّائٌنٌ الأّرًضٌ إنٌَي حّفٌيظِ عّلٌيمِ}.
سليمان بن فهد المطلق - بريدة
|