إن العقل ليعجز عن تصوِّر عظم الجرم، وفداحة المنكر، وشناعة الفعل الذي أقدمت عليه تلك العصابة الضالة، من ترويع للآمنين، وقتل للأطفال، وتيتيم للأبرياء، وترميل للنساء، وتفجير للأبنية، وإفساد للممتلكات، فإن هذا الجرم الفظيع، قد جمع عدة جرائم ومنكرات ومخالفات للشريعة الإسلامية السمحة:
ويقول عز من قائل { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} *النساء: 93* ثانيها: أن فيها تعديا لحدود الله، واعتداءً على الآمنين بغير حق، والله تعالى يقول: { تٌلًكّ حٍدٍودٍ اللّهٌ فّلا تّعًتّدٍوهّا وّمّن يّتّعّدَّ حٍدٍودّ اللهٌ فّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ الظَّالٌمٍونّ}، وقال تعالى {وّلا تّعًتّدٍوا إنَّ اللهّ لا يٍحٌبٍَ المٍعًتّدٌينّ} *البقرة: 190* .
الرابع: أن ذلك الجرم الشنيع انتهك حرمة هذا الشهر المبارك شهر رمضان الفضيل الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، هذا الشهر الذي تُصفَّد فيه الشياطين، وتغلق فيه أبواب جهنم، وتفتح فيه أبواب الجنة، هذا الشهر الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، فكيف بهذه الفئة الضالة التي أراقت الدماء، وأزهقت الأرواح في هذا الشهر العظيم.
هذا البلد الذي جعله الله آمنا، كما قال تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) (العنكبوت:67)
وقال تعالى { أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا} *القصص: 57* وقال تعالى{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) )الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش:4) } .
ثم كيف يكون جرم هذا الفعل الشنيع، وهو يقع في البلد الوحيد في العالم الذي يحكِّم شرع الله تعالى في جميع شؤونه، ويتمسَّك بكتاب الله تعالى - ، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ويتخذهما منهجا ودستور حياة؟
وكيف يستسيغ مسلم، بل عاقل أن يرتكب مثل هذا الجرم الشنيع في بلد قام على منهج الإسلام، وتأسس على هدى منه، يقول خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في كلمته بمناسبة صدور الأنظمة الجديدة:
(ويتلخص هذا المنهج في إقامة المملكة العربية السعودية على الركائز التالية:
أولاً: عقيدة التوحيد التي تجعل الناس يخلصون العبادة لله وحده لا شريك له، ويعيشون أعزة مكرَّمين.
ثانياً: شريعة الإسلام التي تحفظ الحقوق والدماء، وتنظِّم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتضبط التعامل بين أفراد المجتمع، وتصون الأمن العام.
ثالثاً: حمل الدعوة الإسلامية ونشرها، حيث إن الدعوة إلى الله من أعظم وظائف الدولة الإسلامية وأهمها.
رابعاً: إيجاد بيئة عامة، صحية صالحة مجردة من المنكرات والانحرافات تعين الناس على الاستقامة والصلاح، وهذه المهمة منوطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
خامساً: تحقيق الوحدة الإيمانية التي هي أساس الوحدة السياسية والاجتماعية والجغرافية.
سادساً: الأخذ بأسباب التقدم وتحقيق النهضة الشاملة، التي تيسر حياة الناس ومعاشهم، وتراعي مصالحهم في ضوء هدي الإسلام ومقاييسه.
سابعاً: تحقيق (الشورى) التي أمر الإسلام بها، ومدح من يأخذها؛ إذ جعلها من صفات المؤمنين.
ثامناً: أن يظل الحرمان الشريفان مطهرين للطائفين والعاكفين والركع السجود كما أرادهما الله بعيدين عن كل ما يحول دون أداء الحج والعمرة والعبادة على الوجه الصحيح، وأن تؤدي المملكة هذه المهمة.. قياماً بحق الله وخدمة للأمة الإسلامية.
تاسعاً: الدفاع عن الأصول الكبرى التي قامت عليها المملكة العربية السعودية).
وكيف تسمح نفس إنسان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يرتكب هذه الخطيئة العظيمة في بلد التوحيد الذي يحرص قادته: خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني حفظهم الله ورعاهم على قضاء العشر الأواخر من رمضان بجوار بيت الله العتيق للتهجد والتعبد، وقيام رمضان، بالإضافة إلى الإشراف المباشر على المعتمرين، والسهر على راحتهم وأمنهم، كما يفعلون ذلك في موسم الحج، حتى يؤدي ضيوف الرحمن مناسكهم في طمأنينة، وأمن، وراحة.
فماذا تريد هذه الفئة الضالة؟ إن أفعالهم الشنيعة هذه تدل على أنهم يريدون زعزعة الأمن في بلاد الأمن، وزرع الفرقة في بلاد الوحدة، ونشر الفساد في بلاد الإصلاح، وهم بذلك معاول هدم وتدمير، وهذا يستوجب من جميع المواطنين أن يكونوا يدا واحدة في التصدي لهذا الخطر الداهم الذي يستهدف دينهم، وأمنهم، ورخاءهم، ووحدتهم، وأن يلتفوا حول ولاة أمرهم، وتقوية الجبهة الداخلية حتى لا يخترقها العدو، كما يجب على العلماء، والمفكرين أن يبينوا انحراف هذه الفئة الضالة عن الصراط المستقيم، وبعدها عن منهج السلف الصالح، لأن الأصل في الفكر أن يحارب بالفكر، حتى يتبين للناس الحق، وتنكشف حقيقة الفكر المنحرف الضال.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ هذه البلاد الطاهرة من كل سوء ومكروه، وأن يديم عليها نعمة الأمن والأمان، والتمسك بالدين والإسلام، وأن يحفظ ولاة أمرها، ويوفقهم لما فيه الخير والسداد، ورعاية مصالح العباد والبلاد، إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
*وكيل وزارة الشؤو ن الإسلامية والأوقاف
والدعوة والإرشاد للشؤون الإدارية والفنية.
|