ما إن تناقلت القنوات الفضائية خبر وقوع الأحداث الإجرامية مساء يوم السبت الدامي «13 رمضان» في مجمع «المحيا السكني» بمدينة الرياض، بسبب طغمة فاسدة استهوت الانتحار وفتح شلال الدماء على جماجم الأبرياء، حتى انتابني هاجس مخيف بعظمة الكارثة، كون الفاعلين ابتكروا حيلة في الهجوم الإرهابي بتنكرهم بزي أمني، بدلالة تؤكد أنهم ماضون في غيهم وأنهم تحولوا إلى معول هدم داخل البيت الإسلامي!.
فتساءلت بحرقة تستذكر واحة الأمن التي كنا ننعم فيها: هل يكفي أن نضع أيدينا على قلوبنا في انتظار كارثة دموية هنا أو انتحار إرهابي هناك، رغم الجهود الأمنية الكبيرة، ونقاط التفتيش المكثفة التي تعمل على تطويق الخلايا الإرهابية والقضاء عليها في مهدها التكفيري، خاصة أن تلك الطغمة لا تعترف بحرمات الدماء والمكان والزمان؟! أم ينفر المجتمع بكل فئاته وتعمل الدولة بكل أجهزتها لمكافحة هذا الوباء الخطير فالأمر كشف عن أننا نواجه طلاب موت هم أحرص عليه من سعينا لوقف هدير إرهابهم أو على الأقل تحييدهم عن هذا الخط المنحرف، «طلاب موت» يسترجعون بعض الصفحات السوداء في التاريخ كأنهم المتحدث الوحيد والشرعي عن الإسلام، من يوم أن تسور ثوار الفتنة بيت الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه فسقط شهيداً في مصلاه، ومروراً بالمذابح التي ارتكبتها فرق الخوارج في شمال إفريقيا أيام الخلافة الأموية حتى جاز لهم أن يبقروا بطون النساء ويقتلوا الأطفال بحجة أنهم من ضمن معسكر السلطان، أو فظائع القرامطة في يوم التروية، ونهايةً بما شهدناه بالأمس في بلدان عربية ونعيشه اليوم في بلادنا - قلب العالم الإسلامي - من مسلسلات لتفجير الأدمغة بالفكر الضال قبل تفجير الأبنية بساكنيها!.
لذلك لابد أن يجتمع المختصون من علماء الدين والفقه وقادة الفكر والرأي ومسؤولي الدولة، لوضع إستراتيجية وطنية عاجلة بشأن هذا الأمر الجلل، بحيث تعمل هذه الإستراتيجية على ثلاثة محاور، أولاً من خلال تبني طرح إعلامي توعوي يفند حجج الإرهابيين! عندما يرتكز هذا الطرح على توضيح موقف الإسلام من حرمات «الدماء والأموال والبلاد»، مدعم ب«فتاوى جماعية» واضحة في تقريرها لكل أبعاد هذه القضية الخطيرة، خاصة أن هناك خلطاً كبيراً في مفهوم «الجهاد» بالإسلام ومقاصده وتطبيقاته، فضلاً عن تكريس ل«فقه الواقع» الذي يأخذ النصوص وفق أولويات يراها الشارع الحكيم لتبصير الناس وتنظيم حياتهم عند وقوع الفتن والملمات، كي تجتمع الكلمة على رأي واحد أن الإسلام يرفض بشكل قاطع هذه الجرائم، كونه ديناً سامياً يحفظ ويحمي الأرواح حتى أرواح الحيوانات، لأنه لا يقوم على المبدأ الميكافيللي «الغاية تبرر الوسيلة»! والمحور الثاني.. استيعاب الشباب وضبط توجهاتهم واستثمار طاقاتهم في برامج حضارية وثقافية وعلمية تستثير فيهم العطاء الإيجابي لصالح الأمة والوطن، بحيث يكونون في منأى عن الإغراء نحو مهالك الفتاوى التكفيرية، والتوجيهات التحريضية التي ينفثها دعاة الظلام وتفخيخ الأدمغة.
يبقى المحور الثالث وهو التكثيف الأمني وحماية المنشآت الوطنية والتجمعات السكانية، من خلال تطبيق أحدث ما توصلت إليه التقنية في عالم الاحتياطات والشؤون الأمنية، وان يترافق مع ذلك التأكيد على رسالة واضحة أن «المواطن» هو رجل الأمن الأول، وأنه بحمايته لوطنه وما فيه نفسه وعائلته، لأن المسألة تصبح تكاملية بين الجميع هذا ما كان والله المستعان.
|