لم يدر في خلد الفرد نوبل مخترع الديناميت ان اختراعه الذي أراد له استخدامات سلمية وحضارية انتهى به الأمر الى التدمير والفتك بملايين الناس العبث بالحضارة البشرية وعلى عكس ذلك لم يدر بخلد البروفيسور ارمنجم منذ أكثر من 100 عام وبالتحديد عام 1895م في قرية اليزال في بلجيكا والذي اكتشف علاقة جرثومة بوتشولينوم كمسبب للتسمم الغذائي، بان هذا السم الفتاك والذي تكفي كمية بسيطة منه الى ازهاق آلاف الارواح سيكون سماً جميلاً يتسابق الملايين من النساء والرجال على استخدامه لاختزال سنوات العمر واخفاء التجاعيد المتراكمة عبر سنين من الحياة المفعمة بالعمل والفرح والشقاء والألم اضافة الى استخدامات طبية عديدة لمرضي تشنج ووهن العضلات او فرط التعرق في اليدين والابطين واصلاح الحول في العينين.
وخلال العقدين التي تلت ذلك الاكتشاف تم التعرف على فصائل مختلفة من هذا السم، ثم البروفيسور بيرك من جامعة ستنافورد عام 1919م بتقسيم هذا السم الى فئتين A، B ثم اضافت دراسات أخرى 5 فئات جديدة. وفي عام 1920م تم عزل فئة من هذا السم اطلق عليها اسم BTX - A.
وقام الدكتور سومر من جامعة سان فرنسيسكو بأول محاولة لتنقيتها، ثم تابعت مجموعة أخرى هذه المحاولات الى ان استطاع د. شانز وفريقه من الحصول على الكريستال النقي للبوتوكس عام 1946م وفي عام 1950م اثبت الدكتور بروك طريقة عمل البوتوكس في قدرته على منع افرازات مادة الاسيتلكولين من النهايات العصبية المؤثرة على العضلات وارخاء هذه العضلات.
وبين الستينيات والسبعينيات أثبت طبيب اسمه سكوت قدرة البوتوكس A على اصلاح الحول بعد حقنه عضلات محددة من العين. ثم استخدم في اوائل التسعينيات لعلاج وهن وتشنج العضلات.
ولم يقف الأمر عن هذا الحد ففي اواخر التسعينيات برز البوتوكس في الاستخدامات التجميلية لإزالة التجاعيد واصبح أكثر الإجراءات التجميلية شيوعاً وتحول مفهوم حقن البوتوكس من التعجب والاستغراب وحتى الاستهجان منذ بداية استخدامه لهذه الأغراض الى مسألة مقبولة يتم مناقشتها روتينياً في وسائل الإعلام هذه الأيام وهناك الان الكثير من الدراسات الموثقة عن فعاليته ودرجة أمانه لدى ملايين الأشخاص.
فما الذي يجعل هذا السم جميلاً؟ وهل غدا الآن من ضرورات الحياة؟
لقد أصبح المظهر الخارجي للإنسان مكملا لشخصيته الداخلية وليبدو في سن اصغر ونشاط أكبر كما ان السعي الدائم لدى الإنسان ليظهر في أبهى صورة ممكنة انعكس على أعماله وعلاقاته الاجتماعية ومكوناته النفسية بحيث يسعى جاهداً الى إزالة كل ما يعوق هذه الصورة ويرى الكثير من الناس ان رضاءهم عن شكلهم الخارجي ومظهرهم يعطيهم ارتياحا نفسيا يساعدهم كثيرا في أداء أعمالهم واكمال صفقاتهم بدون حرج كما ينمي علاقاتهم الشخصية والاجتماعية وقد اصبح هذا المفهوم سائداً ومقبولاً لا بل في العديد من الأحيان ضرورياً.
ومع تقدم الطب وتوفر الامكانات لم يعد استخدام هذا السم مرتبطا بما يعنيه الاسم من موت ودمار بل على العكس اصبح يوحي بالشباب والحياة فهل هو ضرورة أم ترف؟ للجواب انظر في المرآة.
(*) استشاري جراحة التجميل والترميم
|