سعة أفق التفكير عند الإنسان نعمة عظيمة، لأنها تحقق له بعد النظر في الأمور، وعدم الانخداع بالأفكار التي تخرج من ثقب الإبرة في النظر إلى ما يجري، ومن هنا كان الفرق كبيراً بين أصحاب العقول الراجحة، والوعي الكبير، وبين أصحاب العقول الضعيفة، والوعي الناقص، وهي مجالات يتفاضل فيها الناس، حتى تتفاوت فيها الأقدار تفاوتاً كبيراً، يجعل بعضهم في مكان الثريا، والبعض الآخر في مكان الثرى.
سعة الأفق نعمة، فلا بد أن يكون ضيق الأفق مرضاً ونقمة، لأنه يجعل رؤية صاحبه إلى الأمور جميعها، ماديها ومعنويها، كبيرها وصغيرها، دنيويها وأخرويها، رؤية ناقصة لا يتحقَّق بها العلم بالأمر، ولا المعرفة بحقيقته وأبعاده، ولا يتحقق معها - تبعاً لذلك- الحكم الصحيح على ذلك الأمر سلباً أو إيجاباً.
ولذلك فإننا نرى أصحاب الآفاق العقلية الضيقة، يتحدثون عن الوقائع، والأحدث والأشخاص حديثاً ناقصاً، ويحكمون حكماً خاطئاً، لو أتيح لهم أنْ ينظروا إليه بمنظار أوسع، وبأفق أكبر لسخروا من أنفسهم، وأكثروا من لومها على ذلك الرأي الناقص والحكم الخاطئ.
من أين ينشأ ضيق الأفق؟؟
هنالك أسباب ناشئة من مستوى تفكير الإنسان، وعقله، وطبيعته التي خلقه الله عليها وهي أسباب «طبيعية» ينتج عنها - عادة - نقص الوعي، وضعف الفهم والاستيعاب، ويمكن التغلُّب عليها - أحياناً- بالمران والتدريب، واستخدام الأساليب الحديثة في تنمية التفكير، ورعاية الإنسان من الناحية الذهنية والنفسية، وهذه الأسباب لا تعنينا في هذا المقام، ولكننا نشير إلى أن المتخصصين في مجال الدراسات النفسية والتربوية يؤكدون «إمكانية» العلاج والتطوير والتنمية.
وهنالك أسباب ناشئة من تقوقع الإنسان الفكري، وانغلاقه النفسي، وعجزه عن معايشة الحياة والناس معايشة إيجابية قائمة على الوعي بمعاني التأثر والتأثير التي لا يمكن أن تخلو منها المجتمعات البشرية.
وهنا يبرز أمامنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم -فيما معناه- «الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم» يبرز أمامنا هذا الحديث الشريف موضحاً -بجلاء- خطورة التقوقع، والانزواء، وسوء عاقبة ضيق الأفق، مؤكداً هذا المعنى بعقد هذه المفاضلة النبوية الواضحة التي تحكم بالخيرية للمسلم المخالط للناس، المعايش لهم في حياتهم، الصابر على ما تنتجه هذه المخالطة والمعايشة من الأذى الذي لم يحدَّد في الحديث نوعه، ولامستواه، وهل هو أذى مادي، أم أذى معنوي، أم غير ذلك من أنواع الأذى ومستوياته ومقامات الذين يسببونه لمن يخالطهم.
إن ضيق الأفق الناتج من تقوقع الإنسان، وانغلاق تفكيره، وبعده عن المخالطة والمعايشة الإيجابيتين للمجتمعات البشرية التي تحمل في طيات واقعها الخير والشر، والحب والبغض، والصدق والكذب، وسيلة من وسائل الانطواء على النفس، والاستسلام لرغباتها وأهوائها، والانسياق مع العناصر البشرية التي تلبي هذه الأهواء وتلك الرغبات.
يحدث الانغلاق على النفس، ثم على فئة من الناس تعيش بهذا الانغلاق، بسبب النظرة الضيقة، من الزاوية الحادة التي لا تُرينا إلا جانباً صغيراً من الأشياء، قد يكون الجانب غير المهم، لكنه برؤيتنا له دون غيره، يتحول في أذهاننا إلى جانب مهم، ومن هنا يبدأ إصدار الأحكام الظالمة التي لا يقبل بها العقل الكبير، ولا الوعي الكامل، وتبدأ الممارسات الخاطئة لتنفيذ تلك الأحكام الظالمة، وينتج عن ذلك شعور غير سويٍّ، بني على فهم غير صحيح، وعلى رؤية غير صائبة.
ان الاطلاع على الأشياء بكاملها هو الذي يقرِّبنا من الرأي السليم فيها، ويجعلنا قادرين على فهمها فهماً يمكِّننا من إصدار الحكم الصحيح عليها، الذي تبرأ به الذِّمة، ويتحقق به التقويم والتصحيح.
إشارة:
نحن نحتاج إلى جيل له
همَّة ترقى به أعلى القمم
|
|