كثيرة هي المشاهد التي يؤدي فيها حسُّ المرء وإحساسُه، تمثلها عيّنة كبيرة من سلوكيات الناس، تنتشر بعض شواهدها عبر الطريق والمسجد والمكتب والبيت والمدرسة! ويزداد الموقف حرجاً إذا كان المرء الغيور منا لا يملك إزالة ذلك الأذى، لا بيده.. ولا بلسانه، فيضطر إلى إنكاره صمتاً بقلبه، وذلك أضعف الإيمان!
***
وأضرب لذلك مثلاً:
* تأتي إلى مسجد ما في في ليل ونهار، لأداء فريضة، فتستقبلك مشاهد تستنكرها.. فطرةُ المؤمن السويّ.. فمثلاً:
* يحل يوم الجمعة، فتسعى إلى ذكر الله، ثم يصدمك خطيب المسجد الذي قصدته بموعظة تلوّح بالويل والثبور وعظائم الأمور للخُطَاة الخارجين على صراط الحق والفضيلة.. ويعرض الخطيب أنماطاً من تلك الخطايا.. فإذا هي أمورٌ يؤاخذ فاعلها ديناً وخلقاً، لكنها ليست من كبائر الإثم التي يُطردُ بسببها المؤمن من رحمة الله!
***
وتتمنى في تلك اللحظة وأنت تستقبل كلمات هذا الواعظ المجتهد لو استطعت الردَّ عليه ردَّاً جميلاً تقترح ضمنه خطاباً آخر يبلغ القلوب.. ويشدّ النفوس، وتتحقق به الغاية المنشودة.
***
وليت هذا الخطيب المجتهد يتذكر أنَّ مسلم اليوم حريص على سماع الدعوة إلى الله، لكن بالحكمة والموعظة الحسنة عبر خطاب متوازن، لغة ومضموناً، يخترق أسوار عقل المستمع ووجدانه.. فيجذبه ولا ينفِّره، ويُدنيه ولا يقصيه من رحمة الله.
***
ويجاورك في المصلَّى إنسانٌ متدثِّر برداء النوم، فتَصْفعُ أنفك روائحُ تشكو هَجْر هذا الجار للنظافة، وينالك بسبب ذلك شيء من أذى، وشيء من غيظ، وشيء من حرج، وأنت تجهد نفسك وتجاهدها على الصبر حتى تنتهي الصلاة، ثم تغادر المسجد ركضاً! ولو كان هذا الرجل على موعد مع ذي جاه يرغبه أو يرهبه للبس وتطيَّب بأحسن ما لديه!
***
* وتشاهد طفلاً لم يبلغ الحلمَ بعدُ يقف في الصف إلى يمينك أو شمالك، أو أمامك متظاهراً بالصلاة.. وهو لا يحسنها أدباً ولا شعائر، لكنه يلهو بالحركة مرة برجليه، وأخرى بيديه يبعث ب(شماغه) ذات اليمين وذات الشمال، فيفسد عليك خشوعك، ولستُ ضدَّ حضور الطفل الذي لم ينضج بعدُ صلاة الجمعة أو الجماعة إذا كان مصحوباً بولي أمر يرشده ويردعه في آن، وإلا فبقاؤه في بيت أهله أفضل وأبقى!
***
* وتوقفك إشارةُ حمراء، فتَمْتثلُ لها، ثم تفاجأ بسائق المركبة المجاورة لك.. أو راكب فيها يقذف بنفاياته أو يفرغ ما في أنفه أو صدره في الطريق العام أو على الرصيف.. فإذا استنكرت عليه فعليه.. باللسان أو الأشارة، أسمعك ما تكره من لغو الكلام! حينئذٍ تتمنى لنفسك السلامة.. وتندم على فعل معروف لم تُجزَ عنه إلا منكراً! وتلتفت يمنة أو يسرة طمعاً في تأييد موقفك.. فلا تجد إلا عيوناً كَستْها ابتسامة الإشفاق عليك أو الشماتة بك!.
***
ومرةً أخرى.. تلجأ إلى (أضعف الإيمان).. إنكاراً لهذا الموقف بقلبك خشية أن ُتجْزى عن إحسانك شراً
|