دأبت الغرفة التجارية في محافظة الاحساء في السنوات الأخيرة وعلى مدار كل عام على تنظيم ما يعرف ب«معرض تجاري» وهذا في حد ذاته نشاط جيد ومجهود يشكرون عليه، ولكنني.. وكغيري ممن زاروا هذه المعارض دائماً وأبداً نصاب بخيبة أمل واحباط كلما زرنا هذا النوع من النشاطات التي تقيمها الغرفة التجارية في الاحساء تحت مسمى «معرض» فكلما تم افتتاح واحد منها أقوم بزيارته، أقول لنفسي.. لعل وعسى أن يكون قد تغير الحال وأجد معرضا كما أعرفه ويعرفه غيري ممن زار معارض دولية.
وجرياً على عادتي زرت المعرض الذي أقيم أخيراً في الفترة من 23 - 28 شعبان 1424هـ وخاصة - وكالعادة - ان الاسم كان ضخما جداً ومشوقا ومشجعا ويدل على الكثير من التوقعات «معرض الصناعات السعودية ومستلزمات رمضان والعيد».. ولكنني أصبت بخيبة الأمل المعهودة، أين الصناعات السعودية؟ أين مستلزمات رمضان؟ أين مستلزمات العيد؟ أين المصداقية التجارية؟ أين حماية المستهلك؟ أين.. وأين! علامات استفهام كثيرة تستحق منا وقفة تأمل. إن هذا المعرض هو نفسه «معرض الخريف الدولي» الذي أقيم خلال الفترة من 27 رجب - 7 شعبان 1424هـ الذي انتهت فعالياته قبل أسبوع من بداية المعرض الأخير، وهو نفس المعرض الذي قبله،.. وقبله.. وبالتأكيد سوف يكون نفس الذي يأتي بعده.. وبعده.. فكان كما نقول في أمثالنا الشعبية الدارجة «عادت حليمة لعادتها القديمة». فملاحظاتي على هذه المعارض وباختصار هي: «1- بصورة عامة افتقارها إلى روح المعارض التجارية، 2- الاسم لا يمثل ما يشتمل عليه المعرض، 3 - تكرار اشتراك معظم العارضين بالرغم من الاختلاف في مسمى كل معرض، 4 - إن معظم «إن لم يكن كل» العارضين في المعرض هم تجار تجزئة وليسوا أصحاب شركات منتجة، 5- معظم العارضين من تجار التجزئة من خارج الوطن، 6 - ارتفاع أسعار السلع المعروضة عن نظيرتها الموجودة في الأسواق المحلية، 7 - ممارسة استغلال وتضليل المستهلك».
هذا أهم ما تتميز به معارض الاحساء! والسؤال هنا ما هي الفائدة التي خرجنا بها من هذا «المعرض» كمستهلكين وكتجارة وكغرفة تجارية:
- الفائدة التي جناها المستهلك من هذا المعرض هي الاستغلال التجاري تحت مظلة «معرض».
- الفائدة التي جناها التاجر من هذا المعرض هو الربح على حساب المستهلك وبتسهيلات من الغرفة التجارية.
- الفائدة التي جنتها الغرفة التجارية من هذا «المعرض» هو رصد هذا النشاط ضمن النشاطات السنوية التي تقوم بها بالاضافة إلى المردود المادي التي تجنيه من العارضين نظير التسهيلات التي تقدمه لهم وهذا طبعاً كله كان على حساب المستهلك.
إنني وكأي مواطن نشاطر ونعاضد الغرفة التجارية في سعيها الحثيث الرامي إلى تشجيع عملية التجارة في وطننا الحبيب وإننا نشكرها ونقدر لها هذا الحرص، ولكن يجب أن لا يكون هذا على حسابنا كمستهلكين، مما لا شك فيه أن اقامة معارض تجارية سواء كانت وطنية أو دولية له ايجابيات اقتصادية كبيرة جداً على الصعيد الوطني فهي تعد تجسيداً حياً للعلاقات التجارية والاقتصادية بين وطننا وبقية الدول المشاركة بالمعرض ويتيح الفرصة أمام رجال الأعمال والمستثمرين في المملكة للتعرف على فرص التبادل التجاري بين هذه الدول كذلك تعد فرصة للتعريف المستهلك بالمنتجات الوطنية والدولية الجديدة، ولكن وبكل أسف هذا المفهوم غائب لدى قاموس الغرفة التجارية في الاحساء، فالمعرض بالنسبة لهم لا يعدو كونه مجرد نشاط تجاري يعود عليهم بمردود مادي جيد بغض النظر عن ايجابياته أو سلبياته للمستهلك.
نعم.. أيها الاخوة الأعزاء العاملون في الغرفة التجارية، إن معارضكم التي نفذتموها خلال العام الحالي والتي أطلقتم عليها أسماء جذابة «معرض الاحساء التجاري الدولي، معرض الربيع الدولي، معرض المنزل والأسرة، معرض المنتجات الاستهلاكية، معرض الخريف الدولي، معرض الصناعات السعودية ومستلزمات رمضان والعيد، معرض....» هي في حقيقة الأمر نشاط واحد متكرر بأسماء متعددة وليست معارض وطنية أو دولية كما تزعمون بل هي في الواقع أشبه ما تكون بمجمع لسوق شعبي فمعارضكم هذه التي تفننتم في مسمياتها وزخرفتها والدعاية لها كان الأجدى بكم تسميتها «سوق الاحساء الشعبي التجاري» ليكون اسما على مسمى ولتبعدوا أنفسكم عن شبهة الوقوع في عملية التضليل التجاري للمستهلك وليصبح عند زائر المعرض علم مسبق بما سوف يشاهده. لقد كان من المفترض منكم كمسؤولين في الغرفة التجارية منضمين لمثل هذه المعارض أن تكونوا على علم ودراية بالمفهوم العام للمعارض التجارية سواء كانت وطنية أو دولية واللوائح والضوابط المنظمة لها، وإنني لا أخالكم تجهلونها. فإذا كنتم «كغرفة تجارية» غير قادرين - وإنني أشك في ذلك - على إقامة معرض كما يجب أن يكون عليه المعرض فعلى الأقل كان من المفترض منكم عدم العمل على تضليل المستهلك الذي هو من واجبكم في المقام الأول حمايته من أي تضليل أو استغلال تجاري ومعاقبة من يقوم بذلك، ولكن - بكل أسف ولنأخذ جانب حسن النية ونقول بأنه عن غير قصد! - أصبحتم الطرف الأول الفعال في هذا التضليل والاستغلال، سامحكم الله، وأرجو المعذرة، فإنني لا أريد أن أسيء أو أوجه أي اتهام إلى غرفتنا التجارية الموقرة ولكنني أتحدث من واقع الحال، فما هو تفسيركم لما يجري؟ ما هو مفهوكم وهدفكم من اقامة معرض تجاري؟ فإذا كان مفهوم المعارض لدى قاموسكم كما نراه اليوم فإننا بغنى عنها، وإذا كان لا بد لكم من اقامتها فإننا نناشدكم أن تطلقوا عليها اسم «سوق الاحساء الشعبي التجاري الوطني أو الدولي» لتكونوا أكثر وضوحاً ومصداقية ومسؤولية مع الشكر والتقدير لكم سلفاً.
هذه المشكلة بين أيدينا فما هو الدرس التي تعلمناه منه كمسؤولين في الغرفة التجارية؟ سؤال موجه إلى الاخوة الأعزاء في الغرفة التجارية، آملين منكم أن تعيدوا النظر في مفهومكم للمعارض، وأن تولوا الموضوع اهتماما ودراسة مستفيضة وافية آخذين في الاعتبار جميع جوانبه الايجابية والعمل على تطويرها والسلبية والعمل على تفاديها للوصول للحلول المناسبة الكفيلة بمصداقية وجدية عملية اقامة معارض تجارية بالمفهوم الحقيقي لتعم الفائدة على الجميع بما يخدم معه مصلحة الوطن والمواطن.
أم نحن كمستهلكين، فإن الدرس الذي تعلمناه من اقامة مثل هذه المعارض وغيرها من الممارسات التجارية «عدم جودة السلعة، تذبذب الأسعار، عدم قبول الترجيع،.. الخ» التي لا تحفظ حقوقنا كمستهلكين والتي يمارسها كثير من التجار هذه الأمور التجارية غير الصحية تؤكد بشكل قاطع أننا بحاجة فعلية وملحة إلى انشاء هيئة حكومية مستقلة خاصة لحماية المستهلك بعيدة كل البعد عن إدارة الغرفة التجارية فإنه من غير المعقول أن يكون الخصم هو الحكم، فإلى متى يظل المستهلك الضحية؟
( * ) كلية العلوم الصحية بالأحساء
|