* مَن.. من جيلنا هذا على أقل تقدير، كان يصدق أنه سوف يعيش يوما أسود، يرى فيه بنايات كبيرة على ترابه الوطني الطاهر، تنسف بالمتفجرات، وأنفساً بريئة على أرضه الغالية، تقتل وتزهق، ودماء زكية بين ظهرانيه، تسيل هكذا، فتختلط بقضبان الحديد والتراب وطوب السمنت..؟!
* بل.. من كان يصدق ان يرى بعينيه، سعوديين من قبائل مشهورة، ومن أسر معروفة، يرفعون السلاح في وجوه إخوانهم، فيقتلون بدم بارد، ويدمرون بقلب حارد..؟
* من الذي فعل ما فعل هكذا ببلادنا، من قبل ومن بعد يا ترى..؟
* من له المصلحة في الإساءة لهذا الوطن العزيز، وإلحاق الضرر بمواطنيه الأوفياء..؟
* من يقف وراء هذه الدمى البشرية البشعة، فيحركها مرة في الرياض، ومرة في مكة والمدينة، ومرات في القصيم والجوف وجازان، وفي غيرها من المناطق والمدن..؟
* من نظّر وأفتى، ومن دفع وأعطى، ثم قبع كخفاش في الظلام، يعد الضربات، ويحصد ما تجنيه أيادي الحقد والكره، من جرائم تقشعر من هولها الأبدان..؟
* من الذي ظل يزرع ويغرس على مدى سنوات خلت، وراح يغذي الكراهية والبغض في الجماجم الطرية، حتى أصبحت اليوم كالحجارة، أو هي أشد قسوة منها..؟
* من هو الذي ركب موجة الدين، امتثالا لنزعات شخصية، وتحقيقا لمآرب ذاتية، فجرّ الأمة إلى الغُمّة، ووصل بالعباد إلى ربق الاستعباد..؟
* من هذا الذي استسلم لمخططات «الخوانجيين» المستوردة المنبوذة من بلدانها، فرهن حياته لخدمة أهدافها الخبيثة، ونواياها الشريرة، حتى أصبح ب«بفضلها»، من حزب «المنفرين»، ثم ترقى ب«فعلها»، الى حزب «المكفرين»، ثم علا رتبة عندها، حتى صار من حزب «المفجرين»، ثم تمحور بحكم المصلحة من أجلها، ليكون في مرحلة لاحقة، من حزب «المبررين»، فانتهى به المطاف في حضنها أخيراً، إلى حزب «الممررين»..؟
* من هم أولئك الذين ظنوا أنهم ينوبون عن الله جل جلاله في أرضه، فيصنفون خلق الله على هواهم، فالناس عندهم أخيار أو أشرار، أبرار أو فجار، فهم يسوقون الناس على هذا القياس، إما إلى الجنة أو إلى النار..؟
* من المستفيد حقا من إشعال الفتن بين الناس، انطلاقا من نشر الإشاعات، وحبك التلفيقات، ونسج الأكاذيب، وتقويل الأقاويل..؟
* من جاء بفكر الإخوان الفاسد إلى هذه الديار المقدسة، فعمل على تنميته وتغذيته، في المدارس والجامعات، وفي المعاهد والكليات، وفي المساجد والمنتديات، فكانت النتيجة، ما نراه اليوم رأي العين، من إرهاب منظم مُسَيِّس، على الطريقة المعروفة للإخوان في مصر في سنوات خلت، وقد تعافت مصر من هذا الداء..؟
* من ركب موجة الجهاد، واستغل مقاصده النبيلة، فشوه صورته، وجعل حرابه في اتجاه المملكة العربية السعودية وشعبها..؟!
* كدت والله، أستسلم لسيل جارف من الأسئلة بيني وبين نفسي، صبيحة يوم الأحد الأسود، وأنا أتابع عبر التلفزة، مشاهد الخزي والعار من العاصمة الرياض، حتى ظننت أني رهين المحبسين: فاجعة الأسئلة، وباقعة الأجوبة..؟
*إنه جحيم ما بعده جحيم.. ان تجد نفسك في خضم الحوادث الأليمة، بين مصدق ومكذب..
* خذوا الفعل الذي تمثل في تفجير مجمع المحيا بالرياض، وقبله في العليا وغيرها، أليس هذا هو الإرهاب بعينه، والإجرام بشحمه ولحمه..؟!
* والفاعل من هو..؟
* إنهم فتية من «خوارج» هذا الزمان، جبوس جفوس، ضلوا طريقهم، فباعوا دينهم بنزواتهم، وتحولوا من أناس أسوياء، ومواطنين شرفاء، إلى أذناب حقيرة، ودمى رخيصة، يحركها سحرة ودجاجلة مهرطقين من أمثال «مسيلمة بن لادن»، و«السفيه الفقيه»، و«السفيل المسعري»، ومن هم على شاكلتهم، وسار على نهجهم في الإرهاب والإجرام والبلطجة.
* إن الذين يستهترون بأمن الأوطان، فينشرون الرعب والخوف بين الناس، هم قتلة مفسدون في الأرض، والجزاء المستحق العادل، هو من جنس العمل لا محالة، حتى يشعر المعتدى عليه في ما له أو نفسه أو عرضه، أنه قد أنصف، وحتى يستتب الأمن في المجتمع، ويخيم الأمان بظله على ربوع الوطن.
* حقا.. إن ما أتاه السفهاء السفلاء، من بني جلدتنا في حق هذه البلاد وأهلها، لهو أمر جلل، فكل أفعالهم المشينة، ابتداء من العدوان الآثم على المدن الأمريكية في «11 سبتمبر 2001م»، ووصولاً إلى التفجيرات في الرياض سابقاً ولاحقاً، إنما هي فضائح يندى لها الجبين، بل هي فواجع وبواقع، قلما شهد مثلها التاريخ العربي والإسلامي على مر العصور.
* إننا اليوم - وليس مثل أي يوم مضى - نعرف جيداً عدونا اللدود، فهو الذي يلبس لباسنا، ويتحدث بلساننا، ويقاسمنا تراب الوطن وماءه وهواءه، ولكنه يغرس في ظهورنا خناجره المسمومة.. نعرف هذا العدو اليوم أكثر من ذي قبل، ونفهم لماذا يفعل بنا الذي يفعل.. هذه من الحقائق المفجعة، لكنها ليست فاجعة الفواجع ولا باقعة البواقع، لأن ماهو أعظم منها وأدهى، ان ينبري من بيننا أناس، كانوا فيما مضى من أيام، من مُنَظّري التنفير، ومن مفتي التكفير، حتى إذا وقعت الواقعة، أطل علينا بعضهم بعدة أوجه، فهو مع الدولة وضدها، وهو مع الوطن وضده، وهو مع الشعب وضده، وهو لا يسمي الأشياء بأسمائها في كل الأوقات، فقاتل شرير مثل «ابن لادن»، هو في خطابه «الشيخ المجاهد»، وهو عند رأس المنافقين في الفضائيات العربية وحدها، «الشيخ أسامة بن لادن صلى الله عليه وسلم».. تنزه رسول الله عمن سواه .. أما الارهابيون من المجرمين القتلة، فهم عند بعضهم، «الشباب المجاهد»، و«الاخوة الشباب»..؟!1
* هذا النوع من التدليس والتلبيس، شبعنا منه منذ زمن بعيد، فلم يعد هناك وقت للتوقف عند مزايدات المزايدين، ولا مجال لتصديق ترهات ضيوف قناة «الجزيرة» الدائمين، الذين يصطادون في المياه العكرة، وكل منهم يغني على ليلاه، فهذا يستعرض عضلاته المعرفية، ويبرز مواهبه الإصلاحية، وآخر يطلب فرصته الذهبية، ويسرد شروطه العجائبية، لمحاورة القتلة والإرهابيين، وإحلال المصافحة والمصالحة، بدل المنافرة والمذابحة.
* ألم أقل لكم، بأن هذه هي باقعة البواقع، وفاجعة الفواجع؟! هل يريد منا هؤلاء الناس، التسامح مع من يفجر البنايات، ويدمر الممتلكات، ويقتل الأبرياء..؟!
* هكذا ببساطة..! ندفن قتلانا، ونلعق دمانا، ونعفو ونصفح عن الجناة.. ومن أجل ماذا..؟! من أجل عيون هؤلاء فقط، أم من أجل عيون لا يعرفها، إلا الراسخون في فهم الإرهاب، العارفون بأزلامه وأذنابه..؟!!
* اللهم لا حول ولا قوة إلا بالله..
fax:027361552
|