من المشاكل التي تواجه الفن والأدب والمسرح وغيرها من الفنون الجماهيرية الربط المستمر بالأخلاق الحميدة والتوجيه والتربية ونصرة الحق في مواجهة الباطل إلى آخر الأطروحات التي تجعل من الفن مطية لتوصيل رسالة محددة. يزداد الحديث في هذا الموضوع في رمضان بسبب كثرة مشاهدة التلفزيون وتركيز الناس على الأعمال الدرامية. كل محطة تريد ان تسحب الناس لمشاهدة برامجها تعلن وتكرر ان لديها «برامج ترفيهية هادفة، تمثيليات هادفة». حتى أضحت كل حلقة من حلقات أي مسلسل تلفزيوني جملة أخلاقية متصلة مغلفة في لفافة درامية شكلية تلخص أو تبرر إنتاجها في هذا الشكل. ويتصارع كتاب الجرائد ومفوهو المجالس على تصحيح هذه الجملة الأخلاقية أو الإضافة عليها ونقدها إذا لزم الأمر دون أي إشارة إلى تلك اللفافة.
أحياناً أبرر غياب النقد الفني وسيطرة النقد الأخلاقي بغياب المعرفة الفنية وأحياناً أبررها بمجاراة السائد. ولكن غالباً ما أرجح ان المشاهدين تأسسوا منذ البداية على الروح المدرسية. عندما يجلس في مجلس يبحث عما ينفعه وعندما يجلس أمام التلفزيون يفعل نفس الشيء. فمن السهل على الإنسان فينا ان يتحول على الفور إلى تلميذ نجيب ينتظر الدرس. قراءة سريعة للجريدة سترى أن كل شيء فيها قائم بشكل مدرسة. مجموعة متنوعة من المدرسين في صورة صحفيين أو كتاب ورسامي كاركاتير. لم يسأل أحد كيف يمكن لفنان في مسلسل أو كاتب عمود في جريدة أو يتحول إلى داعية أخلاقي أو موجه ثقافي..
من الانتقادات الطريفة التي أقرأها عند نقد المسلسلات التلفزيونية ان هذا العمل أغرق في الخيال أو المبالغة. وعندما يقال ان هذا العمل خيالي أو مغرق في الخيال فالمعنى انه فاشل وكان يفترض ان يقول الحقيقة. وان يقول للناس ما يسمعونه دائماً من موجهي الرأي والثقافة في البلد. وهذه النظرة جعلت كثيراً من الناس يحملون صورة سلبية عن المجتمعات التي تنتج الدراما بكثرة كمصر والهند وأمريكا. فمشاهد الجرائم والقضايا الجنسية والتهريب والعصابات والمبالغات الكثيرة الأخرى التي تطرحها الأعمال الدرامية التلفزيونية أو السينما أو الروايات تترجم على أنها حقائق قائمة في ذلك المجتمع. فالفن أما ان يكون صورة للمجتمع وإذا تعذر ذلك فيجب ان يكون مدرسة وأن تطرح المشاكل فيه مقرونة بالحلول. والمشكلة ان تعريف مشاكل المجتمع محدود ومؤطر غالباً في الخدمات أما القضايا الحضارية فليست مجالاً للتداول في الفن إلا إذا جاء الفن يعزز التوجه المثالي السائد. أي أن يقول ان الناس تعيش ما تحلم به. وهذا سيبرر في ظني غياب المشاركة السعودية في إنتاج الفن لسنوات طويلة. فالناس لا تتحمل ان ترى نفسها في إطار من المبالغة لإنتاج الفن. وحتى يعرف الناس ان الصورة الاجتماعية المستخدمة في الفن ليست سوى مادة يستخدمها الفنان لإنتاج رؤياه الممتعة وليس لإنتاج نصيحته العصماء سوف نبقى مستوردين للفن كما نستورد السيارات.
فاكس 4702162
|