استكمالا لما تم التطرق له في مقال سابق حول الفقر كظاهرة اجتماعية اقتصادية برزت بسبب ضعف التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، فلعله من المناسب مناقشة ضرورة وجود جهة مختصة بتوجيه الفقراء، والتفكير بهم وإرشادهم، وذلك بإعادة النظر بتحويل المساعدات بأنواعها إلى برامج عمل، وإيجاد مصادر للدخل وتنويعها، وترشيد الاستهلاك، وذلك بتطوير الجمعيات الخيرية لتكون تحت مظلة الصندوق الخيري للمساعدات الاجتماعية، بحيث تتحول من قنوات للصرف والإعالة إلى مصانع إنتاجية للقادرين على العمل من الفقراء وتكون قريبة من أماكن سكنهم وتضم جميع أفراد الأسرة، ويحتوي جزء منها على معاهد لعقد دورات تدريبية لتأهيل الشباب (بجنسيه) من الفقراء ليكون في مقدورهم الدخول في سوق العمل بحيث يكونون منتجين بدلاً من عاجزين أو متسولين بما يحفزهم للعطاء والإحساس بقيمة الذات الحقيقية، لاسيما وأن أغلبهم يسيطر عليه الجهل بسبب الأمية أو الحصول على نزر قليل من التعليم لا يؤهلهم للحصول على وظيفة، أما جانب الإعالة والإعانة الخيرية فيقتصر على العاجزين نهائياً عن العمل!
وللفقر ارتباط وثيق بالبطالة، فالبطالة تؤدي بلا شك للفقر، وما ينقص الشباب لدينا ندرة وجود وظائف سواء حكومية أو في القطاع الخاص على الرغم من تأهيلهم الأكاديمي، ورفض هؤلاء الشباب الانخراط في العمل المهني أدى إلى ظهور البطالة، كما أن الهجرة نحو المدن وما يترافق معها من تغير في الأوضاع الاقتصادية تعد إحدى مسببات الفقر، فالمزارعون يتركون بيوتهم وقراهم ويقطنون المدن التي يتطلب السكن فيهار إيجاراً مرتفعاً، فضلاً عن التكاليف الباهظة في سبيل مسايرة الأوضاع الحضارية وحياة المدن.
ولعل النقص في التخطيط للمرحلة الحالية، وما حدث من زيادة سريعة في النمو السكاني بنسبة أكبر من نمو الناتج القومي أحد مسببات الفقر، والحقيقة أن زيادة عدد السكان حدثت بصورة أكبر بكثير من دخل البلد ولهذا قل دخل الفرد بينما بقيت الخطة حسب ما كان مقرراً لها في بداية الثمانينيات الميلادية عندما كان الدخل العام للبلد يغطي حاجة السكان ويزيد! فكانت الإيرادات في الموازنة السنوية تزيد عن المصروفات المقررة!
وسوء التخطيط سرى للأسر حيث تسببت الطفرة الاقتصادية آنذاك بزيادة الاستهلاك، والاسراف، واعتاد المواطنون على حياة البذخ التي لم يستيقظوا منها إلا حين لم يحصل أبناؤهم على وظائف تكفل لهم الحياة الكريمة، بعدما ظهرت بوادر ضعف في القطاع الخاص عن الاستثمار في البشر وإيجاد فرص وظيفية للشباب بسبب قلة المشاريع نتيجة للوضع الاقتصادي الراهن، وكان حري بالأجهزة المعنية أن يكون لها دور أكبر في الرفع من مستوى معيشة الأفراد عن طريق زيادة الدخل، وترشيد الاستهلاك، وتوفير فرص عمل للمواطنين، كما كان عليها تقديم نظام (تعليمي ومهني) باستطاعته أن يسد حاجة سوق العمل من الشباب ويزرع في نفوسهم الثقة والقدرة على تحقيق طموحاتهم مع الاهتمام بالقيم الاجتماعية والإنسانية، لكي نعيد لحياتنا الرخاء، ورغد العيش، فالفقر يتزايد بشكل متواصل، وإن لم يتصدَّ المجتمع بنفسه لهذه الظاهرة بالوقاية المتزامنة مع العلاج فسيترتب على وجودها مشاكل أمنية وأخلاقية، ومنها ما يسببه الفقر من الحقد بين أفراد المجتمع وعدم الثقة فيما بينهم لتأثيره الشديد على نفوس الفقراء عدا عن كونه يشكل حاجزاً نفسيا بينهم وبين الأغنياء وهذا من شأنه أن يبرز مخاطر أخرى كالسرقة أو السطو المسلح على المتاجر والبنوك وقد يؤدي للقتل والجريمة، والمجتمع يشارك الجهات المسؤولة في تحمل تبعات تلك المشاكل لأنه تخلى عن علاجها في حينها وتقاعس عن دوره منذ أن حلت الأنانية وحب المظاهر محل (التكافل الاجتماعي) وتباطأ بعض أفراده عن أداء الزكاة.. وتعهد الصدقة.. وتلمُّس حاجات بقية أفراد المجتمع...
فهل نعود لزمن كان المرء يبحث فيه لزكاته عن فقير، وحين لا يجده يوردها لبيت المال؟؟!!
ص.ب 260564 الرياض 11342
|