Saturday 15th november,2003 11370العدد السبت 20 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في مسألة التعامل مع الفئات الإرهابية.. في مسألة التعامل مع الفئات الإرهابية..
متهورون على الطرق السريعة..
د. علي بن شويل القرني(*)

السؤال اليوم.. ليس عن ماذا حدث؟ رغم أهمية هذا على مستوى معرفة التكنيك الإرهابي ومساهمته في تفادي أعمال مستقبلية لا قدر الله.. بل إن المهم اليوم قبل أي شيء آخر هو كيف نتعامل - مجتمعاً ودولة وأفراداً - مع هذه الظاهرة الشاذة في بلادنا..
وفي رأيي الشخصي اننا ينبغي ان نتعامل مع هذه الفئة على عدة مستويات، ونعطي هذه الظاهرة حجمها الذي تستحقه:
* ما هي الأهداف؟
- من الواضح عدم وجود هدف وفكر منطقي وراء هذه الأحداث.. فقد كان يرى البعض في بدايات محاربة الإرهاب على مستوى دولي ان تلك العمليات تمثل حركات جهادية ضد فئات الشر والضلالة في العالم.. وقد كان يرى البعض - وليس الجميع بالتأكيد - ان هذه محاولة لمقاومة المعتدين على الدين والمسلمين.. لكن الذي لا يفهمه الجميع، ولا يستوعبه أحد أن هذه العمليات بدأت منذ مايو الماضي في محاربة الإسلام وشق صفوف المسلمين وتدمير ممتلكات الناس وإشاعة الخوف وزعزعة أمن المسلمين وإشاعة الفوضى.. ومن هنا فإنا نرى أن توالي هذه الأحداث الفوضوية قد أفقدها أي منطق وفكر وحكمة.. وكلما أضافت إلى حقيبة الإرهاب واقعة جديدة زاد سخط الناس وغضبهم وحقدهم على هذه الفئة.. وبهذا تكون هذه الأحداث نواة تدميرية لهذه الفئة.. ومن الواضح أن هذه العمليات الإرهابية قد انتقلت من مرحلة ضبابية الهدف إلى مرحلة انعدام الهدف تماماً.. وأصبحت العشوائية هي المحرك والباعث والداعم لهذه الحركات..
* من الواضح أننا دخلنا نحن في مجتمع المملكة إلى مرحلة جديدة من مثل هذه الأعمال، وهي مرحلة يمكن وصفها على أنها مرحلة تهور.. ولا شك أن أي مجتمع في هذه الدنيا ينضوي تحته عدد من الأفراد ا لمتهورين أو فئات متهورة.. ونحن في مجتمعنا لدينا حالات من المتهورين عانينا منهم كثيرا ولا نزال نعاني.. وأقصد على وجه التحديد التهور المروري.. الذي يقود إلى حوادث تأتي على النفس والأهل والناس والممتلكات.. ولهذا فإننا نساوي بين التهور على الطرقات وفي الشوارع، وبين التهور في المباني والمجمعات.. فكلا الحالتين تهور وعدم مبالاة وعدم إدراك للعواقب والنتائج..
* عادة ما نسأل نحن في البحوث والدراسات الاجتماعية سؤالاً مهماً نطرحه دائماً عندما نبدأ في تحليل مسألة أو تفسير حادث أو شرح واقعة معينة.. وهو هل الترتيبات الاجتماعية والواقع المعاش ساعد فئة أو مؤسسة أو دولة على استثمار مواقف وأحداث ووقائع لمصالحها وفوائدها الخاصة.. أي أنه عندما تجف الأرض وتتأخر الأمطار يؤدي هذا إلى توقف زراعة المحصولات الزراعية من الداخل.. ونبدأ في استيراد منتجاتنا الزراعية من الدول المجاورة.. وهكذا فإن المثل الذي يقوله البعض «مصائب قوم عند قوم فوائد» ينطبق هنا.. فعلى الرغم من أن انعدام الأمطار في تبوك يؤدي إلى فائدة كبيرة لمزارعي الأردن ولبنان مثلاً.. أو حتى انعدام الأمطار في الرياض يؤدي إلى فائدة لمزارعي الأحساء والجنوب مثلاً.. ولكن لا نقول ان مزارعي لبنان والأردن ومزارعي الجنوب والأحساء يقفون في دعوة أمام الله في أن يحرم دولاً أخرى ومناطق أخرى من الأمطار حتى يكسبوا رزقهم.. هذا لا يحدث.. ولكن الترتيب وتداعيات سقوط الأمطار أو عدم سقوطها هو الذي يؤدي إلى فوائد أو خسارة، وبناء على ما تقدم، فإن أي حدث يكون له جماعات أو فئات تكسب وفئات أو جماعات تخسر.. فَمَنْ يستفيد من أحداث تفجيرات المجمعات السكنية؟ من المؤكد أن الجميع يخسر من جراء هذه الأحداث.. ولكن الظروف التي تتبناها هذه الفئة والطريقة التي تنفذ بها مخططاتها تؤدي إلى فوائد كبيرة تنتفع بها دول ومؤسسات أخرى في الداخل والخارج.. وهذه بعض الجهات والمؤسسات المتوقع أن تكون مستفيدة:
1- الحملات العالمية ضد الإرهاب والتي تغذيها الأحزاب والمؤسسات المتطرفة في دول العالم تجد في استمرار مثل هذه الأحداث فرصة مواتية لمزيد من التطرف والقرارات والتخويف وبث روح الخوف وزرع الرعب في شتى أنحاء العالم.. فكلما نسي العالم أو حاول أن يتناسى أحداث الإرهاب قفزت أحداث تفجيرات الرياض أو غيرها من الأعمال التخريبية الأخرى في المملكة لتواصل تشعيل نار الإرهاب.. واستمرار حلقة العنف الدولي.. وهذه خطوات تتمناها أجهزة الأمن والاستخبارات العالمية للتأكيد على أن الإرهاب مستمر.. فهذه فائدة استراتيجية تجنيها دول ومؤسسات خارجية..
2- يستفيد فائدة مباشرة من مثل هذه الأحداث كل من يستعدي المملكة دولة ومجتمعاً ومواطنين. فهذه أيادٍ تصفق، وأصوات ترتفع، واعلام يبتهج كلما حدث حادث، وكلما تفجرت أجساد وتدمرت أسر وتبعثرت أشلاء.. فهذه ملامح فرح وعلامات انتصار تحققها هذه الجماعات ضد المملكة.. وبغض النظر عمن يكون هذا الطرف الذي يستعدي المملكة أكان أسامة بن لادن أو ارئيل شارون أو أعضاء في الكونجرس أو مستشارون في البنتاجون أو مراكز دراسات ما داموا يتفقون جميعهم على استعداء هذه البلاد.. فهذا يكفي بحد ذاته.. وكل هذه الأعمال تصب في خانة المطلوب من قبل هذه القوة الاستعدائية.
3- المؤسسة العسكرية الأمريكية قد ترى أن مثل هذه الأحداث يمكن ربطه بما يدور داخل العراق من أعمال مقاومة وعنف.. وتحاول أن تربط أحداث العراق بأحداث المملكة للتقليل من شأن المقاومة العراقية.. وتحاول أن تربطها جميعا بموضوع الإرهاب العالمي.. وغياب أحداث الرياض يفرض وجود تفكير واحد لتبرير العنف في العراق وهو المقاومة، لكن وجود أحداث متزامنة في الرياض وفي بغداد يهيئ الفرصة لعمل هذا الربط، الذي يستفيد منه مستشارو الدعاية والإعلام في المؤسسة العسكرية الأمريكية..
4- مثل هذه الأحداث تخلق التبرير لمواصلة عمليات التضييق على السعوديين والعرب والمسلمين عامة في كثير من دول العالم.. وكلما حاولت مثل هذه الأجهزة الأمنية في تلك الدول تخفيف هذه الإجراءات بحكم المتطلبات الشعبية وقوى الضغط العربية والإسلامية يحدث حادث جديد يعطي المبرر لهم في استمرار القيود والتعقيدات التي يفرضونها على مواطنينا في تلك الدول، وعلى كافة الجاليات العربية والإسلامية.
5- تسعى منظمات التبشير المسيحي إلى الاصطياد في مياه هذه الأحداث وغيرها من الأحداث الإرهابية بغية تشويش صورة الإسلام والمسلمين في كل الأنحاء..ونحن نعلم أن تداعيات الحادي عشر من سبتمبر أثرت بشكل عميق على مجريات الدعوة الإسلامية، وأربكت عمل الجمعيات الإسلامية الخيرية في كل أنحاء العالم..
6- من المتوقع أن تكون أهداف هذه الشرائح الضالة هي التشويش على أجهزة الأمن السعودية. وبالتالي إشاعة الخوف وإفساد الأمن.. لأهداف يتوقعون منها أن تحقق لهم رغباتهم في نمو مشاعر التعاطف معهم وزيادة التقبل الاجتماعي لهم.. ولكن هذه معادلة خاطئة مائة في المائة.. لأنه كلما كثرت هذه الحوادث اشتعل الرأي العام السعودي سخطاً وغضباً وحقداً.. وتكون النتائج عكسية بطبيعة الحال.. كأن لسان الأمن السعودي ان كل حادث من هذه الحوادث ينال من هذه الحركة المتهورة.. وكلما زادت هذه الحوادث يحقق مزيدا من الإفلاس الفكري والتعاطفي مع مثل هذه التوجهات..
إذن فمثل هذه الحوادث عمقت مشاعر الكراهية والحقد من الأغلبية الساحقة لأبناء هذا الشعب ضد مثل الأعمال والإجراءات الطائشة.
وختاما، فإنا نرى أن الشعب السعودي سيظل ينظر إلى هذه الأعمال كونها أعمالاً طائشة ومتهورة ولا يستقيم لها منطق أو يبررها عقل.. وكلما زادت مثل هذه الحوادث يكون مجتمعنا قد اعتاد عليها وتعامل معها مثلما يتعامل اليوم مع حوادث السيارات وطيشان الشباب في الطرق والشوارع.

(*)رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved