Friday 14th november,2003 11369العدد الجمعة 19 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

متى يسقط القصاص متى يسقط القصاص

حصلت قضية أن قتل إنسان آخر، ثم حكم على الانسان الجاني بالقصاص، لكن بعض أولياء المقتول تنازل وعفا عن حقه، ولكن حصل ان أصر الآخرون على القصاص، وهذا جعل هناك تردداً واضطرابات نفسية بسبب هذا الامر، وحالتنا حالة كما يقال:
سؤالنا:
* هل يسقط القصاص إذا عفا بعض أولياء الدم..؟
ما توجيهكم نحو هذا فيمن ينظر مثل هذه الحالات..؟

م.أ.ع، ع.م أ.أ، أ.أ.ع، ع.أ.ع / شمال أفريقيا
* ج: - هذه المسألة نثبت ما ثبت ونقرر. ما تقرر ونأتي بما نراه بعد النظر والتأمل في وجهات النظر وسبر الدليل والتعليل ذلك أن مسألتنا هذه مهمة لعظم نتائجها، فيما يعود منها على القاضي في نفسه ودينه، وفيما يعود على المتهم فيما اتهم به، وفيما يعود على الناس من خير بسبب العدل وانتشار العلم الذاتي الذي يتوصل إليه القاضي بنفسه مطالعاً كتب الحديث وشروحاته وكتب الفقه وأصوله وكتب اللغة وفقهها، ولاشك أن هذا خيره يذكر في عداد الخير الخالد على الدهر خاصة الاجتهاد في النص أو الاجتهاد مع عدم وجوده وأعني بالاجتهاد نوعه، فالناس يختلفون لكن الرغبة وصدق النية وقوة الإقبال كل هذه دوافع عظيمة لكثرة أهل العلم وكثرة طلابه.
وما نحن فيه هنا ليس أعظم من غيره..لكن عظم أمر هذه المسألة تأتي لكونها موضع جدل بين عامة من وقفت على كلامهم من أهل العلم، لكن كما ذكرت سوف أورد ما رأيته الصواب بدليله في هذه النقطة الكبيرة التي تهم القاضي وتدين المتهم وهذه هي : العفو عن القصاص، وكما ترى فهي معضلة لكنها هينة عند بيان وجهها وأطراف أخذها ونتيجة معقدها، ولا ريب فالعفو من الأصول التي ورد بها الدليل لإبقاء نفس حي عسى أن يبدأ حياته من جديد ويسير في هذه الحياة سيرة حميدة ملؤها الأمن والصلاح والإصلاح والشعور بمنة هذا الدين عليه عن طريق الحاكم الذي كان شافع خير وبر ومعروف، وورود أدلة العفو جاءت تترى، وذلك من العدل المشفوع بالرحمة والعطف ليقف ناظر القضية على حقائق لازمة في الحياة قال الله تعالى: {يّا أّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا كٍتٌبّ عّلّيًكٍمٍ القٌصّاصٍ فٌي القّتًلّى الحٍرٍَ بٌالًحٍرٌَوّالًعّبًدٍ بٌالًعّبًدٌ وّالأٍنثّى" بٌالأٍنثّى" فّمّنً عٍفٌيّ لّهٍ مٌنً أّّّخٌيهٌ شّيًءِ فّاتٌَبّاعِ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّأّّدّاءِ إلّيًهٌ بٌإحًسّانُ ذّلٌكّ تّخًفٌيفِ مٌَن رَّبٌَكٍمً وّرّحًمّةِ فّمّنٌ اعًتّدّى" بّعًدّ ذّلٌكّ فّلّهٍ عّذّابِ أّّلٌيمِ}. وقال تعالى في إعادة بعض شرع من قبلنا:{وّكّتّبًنّا عّلّيًهٌمً فٌيهّا أّنَّ النَّفًسّ بٌالنَّفًسٌ وّالًعّيًنّ بٌالًعّيًنٌ وّالأّنفّ بٌالأّنفٌ وّالأٍذٍنّ بٌالأٍذٍنٌ وّالسٌَنَّ بٌالسٌَنٌَ وّالًجٍرٍوحّ قٌصّاصِ فّمّن تّصّدَّقّ بٌهٌ فّهٍوّ كّفَّارّةِ لَّهٍ وّمّن لَّمً يّحًكٍم بٌمّا أّنزّلّ اللَّهٍ فّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ الظَّالٌمٍونّ}. وفي عموم هذا قال سبحانه: {فّمّنً عّفّا وّأّصًلّحّ فّأّجًرٍهٍ عّلّى اللَّهٌ}.
وهنا أمور أثبتها ههنا في العفو عن القصاص، وذلك ليتمكن ناظر القضية ومن معه، أو من وكل إليه نظرها ودراستها نظر العفو، العفو العام، أو العفو الخاص حقيقة الحكم في هذه المسألة فأقول:
الأمر الأول: إن المتهم بالدم يسقط عنه القصاص، وذلك عند عفو بعض أولياء الدم ولوخاف أكثرهم وطالب بالقصاص وهذا ما ذهب إليه عامة من نظرت كلامهم من المتقدمين للأدلة الآتية:
1- عموم قوله تعالى:{فّمّنً عٍفٌيّ لّهٍ مٌنً أّّّخٌيهٌ شّيًءِ فّاتٌَبّاعِ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّأّّدّاءِ إلّيًهٌ بٌإحًسّانُ}.قلت: وشيء هنا نكرة فتعم ما كان قليلاً.
2- عن علقمة بن وائل بن حجر عن وائل قال: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين جيء بالقاتل يقوده ولي المقتول بنسعته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لولي المقتول «أتعفو عنه.. قال: لا قال له: أتأخذ الدية، قال: لا، قال: فتقتله قال نعم، قال اذهب به فلما تولى من عنده دعاه قال له أتعفو عنه قال: لا، قال له فتأخذ الدية قال: لا، قال: فتقتله قال نعم، قال اذهب فلما كان في الرابعة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما إنك إن عفوت عنه يبوء بإثمه وإثم صاحبك، فعفا عنه وتركه قال فأنا رأيته يجر نسعته»، وورد أصح منه عند مسلم، وهو شاهد جيد على ما نحن فيه من أمر العفو عن القاتل، وهذه دالة بعموم ألفاظها أن أولياء المقتول ليس كلهم حاضراً.
3- روى قتادة: أن عمر رفع إليه رجل قتل رجلا، فجاء أولاد المقتول، وقد عفا عنه بعضهم، فقال عمر لابن مسعود ما تقول فقال: إنه قد أحرز من القتل فضرب على كتفه وقال كنيف مليء علماً.
4- عن عائشة فيما رواه البيهقي في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة يقول البيهقي، أخبرنا أبو عبدالرحمن السلمي أنبأنا أبو الحسن الكارزي ثنا علي بن عبدالعزيز عن أبي عبيد أنه قال في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل القتيل أن ينحجزوا الأدنى فالأدنى وإن كانت امرأة وذلك أن يقتل القتيل وله ورثة رجالاً ونساء يقول فأيهم عفا عن دمه فالأقرب هو رجل أو امرأة فعفوه جائز لأن قوله ينحجزوا يعني يكفوا عن القود.
ومن هذه النصوص ندرك أن عفو بعض أولياء الدم مسقط للقصاص، وهو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم لموافقة ذلك للنص عامة وخاصة، ولأن العفو من بعض الأولياء يورث شبهة دارئة للحد، ولأن الدم لا يتبعض، وقد جرى في هذا أيضاً القياس مع ما تقدم من النصوص، لأن الدم مبناه من حيث الأصل على الإسقاط، فإذا عفا بعض الأولياء فهو هنا تنازل عن حقه لله، فيكون هذا التنازل سارياً على الباقي كحال العبد المملوك عند عتق بعضه إذا كان مشتركاً.
ولم أر بعد البحث في هذه المسألة الوجه الصحيح لمن خالف هذا الرأي، وقولهم: إن حق الإنسان لا يسقط إلا باستيفائه له أو بعفوه عنه، ليس بحجة على ما ذهبوا إليه.
*ر45ر*}.
فالتصدق الوارد في الآية له المعنى من وجه قريب ملاصق والمجنى عليه عند عفوه حال شعوره بما يقول هو المنصب عليه مراد الآية، وهو ما عناه الأمر في قوله تعالى أيضاً: {فّمّنً عّفّا وّأّصًلّحّ فّأّجًرٍهٍ عّلّى اللّهٌ}. وكذلك ما ورد في السنة، وهو ما جاء عن أبي الدرداء - رضى الله عنه - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما من رجل يصاب بشيء في جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه خطيئة»، وكذلك ما جاء عن قتادة في هذا، وعن عدي بن ثابت أيضاً، حجة من قال بعدم الاعتبار قوله تعالى«{وّمّن قٍتٌلّ مّظًلٍومْا فّقّدً جّعّلًنّا لٌوّلٌيٌَهٌ سٍلًطّانْا فّلا يٍسًرٌف فٌَي القّتًلٌ إنَّهٍ كّانّ مّنصٍورْا}.
فهم قالوا: إن الآية صريحة في جعل الأمر لولي المقتول لا المقتول نفسه، وبما رواه البخاري في هذا وفحواه: أن ولي المقتول يخير النظرين إما أن يقتص دماً بدم، وإما أن يدي وخرجوا وجه الاستشهاد بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جعل الأمر على التخيير لأولياء المقتول دون المجني عليه وأعجب من ابن حزم - رحمه الله - فقد ذهب كل مذهب في الخلاف وتأكيد ما يراه في هذه المسألة، وقد ذهب بعض المفسرين إلى المذهب الأول لدلالة النص وصدق المذهب فيما أذهب إليه هنا بالاعتبار الصحيح أن المجني عليه هو صاحب الحق كنت قد بينت هذه المسألة إطالة طيبة لكن زبدة ذلك كله ما قررته هنا مع إثبات حقيقة ما هو راجح مما هو مرجوح حسب مقتضى النص ودلالة الحال.
الأمر الثالث: وهو أمر يقل حصوله بين العالمين لكنا نثبته لإمكان حصوله، وذلك فيما إذا حصل القتل على من لا ولي له إلا الامام ولي أمر المسلمين، فكيف يتصرف ناظر القضية في هذه الحادثة، لقد نظرت فيها طويلاً فوجدت الشافعية لهم نظرة والمالكية وبعض الحنابلة لهم نظرة تخالف وللحنابلة في هذا أيضاً نظرة أو هي الثالثة، وكلها مذاهب السبب فيها حسب علمي عدم وجود نص صحيح يقطع الخلاف في هذه المسألة المهمة.
فالشافعية والحنفية وبعض الحنابلة يرون أن الأمر متروك إلى الإمام، فله اجتهاده وما يراه صالحاً لعامة المسلمين من قصاص أو عفو مع دفع مال، قالوا ولا يحق له العفو، هكذا لأن هذا يحصل بسببه فتح الباب للجناة في الأرض ولأنه أمر تنتفي بسبب العفو عن الجاني المصلحة فلا يتحقق بهذا السبب شيء.
والمالكية وبعض الحنابلة قالوا لا يملك الإمام إلا القصاص فقط لأنه نائب عن المسلمين فله تنفيذ الأمر الإلهي، دون الذهاب إلى العفو عن الجاني بمال أو بغير مال.
وفريق ثالث من الحنابلة يرون تخيير الإمام فله القصاص والعفو هكذا والعفو بمال يدفعه الجاني وإذا أحطنا علماً بما سلف فالراجع الذي ظهر لي ما ذهب إليه الشافعي في الأول لوجاهة هذا المذهب وموافقته لظاهر النصوص وحقيقة الحال.
الأمر الرابع: وهذا الأمر يحتاج إلى فهم المسألة لا علمها فقط، وفرق بين العلم والفهم، وأعني بالفهم فهم المسائل الشرعية على الوجه الصحيح الذي يوافق فيه العقل العلم على المقتضى العميق للفطنة على ما جاء في قصة داود وسليمان عليهما السلام.
وهذا الأمر الذي نذكره، هو ما إذا عفا من يملك العفو عن الجاني بحق شرعي، ثم رجع بعد ذلك فهل يقبل منه، هذا الرجوع ويقتص من الجاني هنا أقول العفو عن القاتل لا يقبل فيه الرجوع بل يكون العفو سارياً، إذا كان كذلك، فهنا أقول ما موقف الدولة وناظر القضية شرعاً كيف تكون الحال، إذا الحق أنها مسألة اجتهادية جرى فيها نزاع بين عامة من نظرنا كلامهم من أهل العلم لكن قبل كل شيء أورد أموراً ثلاثة لابد منها تخص القاضي:
الأول.. النظر الطويل والبحث الهادئ حتى يتبين له وجه المسألة.
الثاني.. شجاعة القاضي وورعه وتقواه.
الثالث.. الاستشارة إذا كانت القضية تخص الناظر، ثم الدعاء والبت دون تردد فطول القضايا يكون على حساب وقت المسلمين.
والخلاف الذي أشرت إليه من الخلاف الذي يلتقي فيه المحصل أخيراً، ولا يكون ثمة خلاف، ويتبين هذا هنا فقد ذهب قتادة والسدي وعكرمة إلى أن قتل ولي الدم بعد قتله الجاني أمر لازم لا محيد عنه، وقد تكلموا ودللوا وبينوا حقيقة هذا الرأي ونفعه وعظم أمره، وذهب آخرون إلى رأي أهون مما ذهب إليه الأولون، فقد ذهبوا إلى عدم مؤاخذة الولي قصاصاً بل يكون الأمر الى الدية وقد أخذوا بقوله: {فّمّنً عٍفٌيّ لّهٍ مٌنً أّّّخٌيهٌ شّيًءِ فّاتٌَبّاعِ بٌالًمّعًرٍوفٌ وّأّّدّاءِ إلّيًهٌ بٌإحًسّانُ ذّلٌكّ تّخًفٌيفِ مٌَن رَّبٌَكٍمً وّرّحًمّةِ فّمّنٌ اعًتّدّى" بّعًدّ ذّلٌكّ فّلّهٍ عّذّابِ أّّلٌيمِ}. وأخذوا كذلك بما رواه أبو داود في سننه :«السيف محاء للذنوب».
وقال الخليفة الراشد: إن الاعتداء بقتل القاتل عمل مشين فيترك أمر الولي للإمام إن شاء اقتص منه، وإن شاء عفا عنه، فهو ولي الأمر وله ما يرى، والحق أنني نظرت هذه المسألة طويلاً واستخرت الله فيما رأيته مراراً، فوجدت ارتياحاً لأهل القول الأول لما يحمله من معنى سليم، يقبله العقل ولا يرده النص والعجيب أنني ترددت في تدوين مذهبي هنا حتى استخرت الله كذلك، فوجدت بحمد الله القبول والطمأنينة، وأهل القول الثاني ما ذهبوا إليه جيد لكن دليلهم فيه ضعف فدليلهم على ما رواه أبو داود:«حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد أخبرنا مطر الوراق وأحسبه عن الحسن عن جابر بن عبدالله إلخ.
أشك فيه وان كان قال بعضهم يعضده غيره فإنني وجدت في سنده من ليس بذاك فلا تقوم به حجة، والمسألة مسألة حكم معظم ينهض أو لا ينهض أو لا يكون هذا، ويكون ذاك إلا بنص مقرر فالأول لا غبار على قوته، ولناظر القضية النظر ثم النظر فهي أمانة وأعظم بها من أمانة، وقد رأيت الطبري في تفسيره أجاب عن القول بترك الأمر للسلطان وهو ما رآه عمر بن عبدالعزيز وغيره قلت وهو جواب كريم فيه جماع طيب من رد سليم.
الأمر الخامس: ولعل هذا الأمر يختلف عما سبقه لدقة أهميته من حيث النظر والتنفيذ ومن حيث كلام أهل العلم فيه من ناحية الاتفاق والاختلاف، ولعل هذا الأمر مما يواجه دائماً القضاء ومجالات النظر الأخرى فيبدو من كل هذا أنه أمر لا نزاع فيه من حيث لزوم نظره ابتداء وانتهاءً وليس أمام القاضي في مجلسه القضائي إلا الإنصات لحقائق النظر في هذا الأمر الكبير العظيم، ومن ثم نظره وبحثه والجزم فيما يظهر بعد كل هذا.
قلت: إنه يختلف عما سبقه وليس للقاضي هنا إلا كما له هناك على أن المسألة دقيقة كما بينا في سالف القول.
وهنا أقول: إذا كان ولي الدم صغيراً فهل يملك العفو عن الجاني لا يملك العفو وما يكون له ذلك، وما كان لعدم توفر شروط الصحة في قبول قوله في هذا وسواه، وإذا عرفنا هذا فهل ولي الصغير والقائم عليه يملك العفو عن الجاني فلا قصاص ولا مال حيث الاستغناء حاصل لدى الصغير، فهو ميسور لقد جزم من نظرت قولهم من السلف إلى أن ولي الذي لم يميز بعد لصغره لا يملك العفو عن القصاص ولا يملك أيضاً العفو عن الدية ولو كان الصغير غنياً، وهذا ما تقرر لدي حسب اجتهادي وعلمي فلا يملك الولي لا هذا ولا ذلك، لكن إذا كان الصغير محتاجاً إلى المال ومضطراً إليه فما هو القول هنا؟
قال بعض الشافعية والحنابلة: إن ولي الصغير له حق العفو لأن الضرورة حاصلة، وهي من قواعد الشرع فيؤخذ من الجاني المال ويصرف منه على الصغير لحفظ حياته.وقال آخرون من الشافعية والحنابلة: إن الولي ليس له حق العفو أبداً قالوا فالصغير من المسلمين يعطى من بيت المال، ولم أجد سوى هذين القولين حسب علمي إلا ما كان من خلاف حاصله أنه لفظي يعود أمره كله إلى واحد لا إلى متعدد.
والراجح لدي في هذه المسألة القول الثاني ذلك أن بيت المال كفيل بالانفاق على هذا الصغير ولم أر في السنة على ما اطلعت عليه منها، ولا حديثاً ضعيفاً يجعل في منزلة القصاص عند عدم العفو لغياب الولي الأصلي أو لصغر سن الولي الحاضر، وإذا علمنا أن الولي الصغير ليس موتوراً فإنه يتهاون بطلب المال دون القصاص، وقد يحدث تنازل الولي ولي الصغير شراً غداً حينما يكبر هذا الصغير، ويرى تصرفاً دون ما أراد ونظرت هذا القول جداً وخبرته فرأيت أمره فيه من القوة بقدر ما فيه من الموافقة لمقتضى الحق في الدماء، وبقي مسألة مهمة في حال الولي اللاصقة فيما إذا كان ولي الدم مجنوناً فهل لوليه العفو عن القصاص اللازم دماً بدم الأصل في هذا، كما قلت سلفاً أن عدم التنازل هو الوارد لكن مادام الحال اختلفت هنا بكون الجنون ولا وقت لانتهائه فيصبح المجنون عاقلاً فإن الحال حسب هذا فالولي ولي المجنون له حق العفو إلى المال وهذا الأمر يعلم من طبيعة الحال حال المجنون وحال وليه وتقواه. وفي هذا أشير إلى أمرين عظيمين:
الأول: جواز سجن المتهم في الدم حال التهمة حفظاً للحقوق وقبضاً لطرف القضية إذا قلنا: إنها تهمة فقط.
الثاني: جواز إكرام المسجون حال.. التهمة.. وزيارة أهله له وإذا كان متزوجاً فله الخلوة بزوجته وولده.
وقولي يسجن المتهم حال التهمة وإن كان بريئاً في الأصل أقول يسجن لأمرين:
الأول.. حفظاً له من أولياء المقتول أن يقتلوه بالتهمة وقد يكون بريئاً.
الثاني.. تحديد التهمة وصاحبها.
وأرى في الدماء حال التهمة فقط الانجاز فليس من الصالح إبقاء المتهم مثلاً عشر سنين لأن قضيته تتردد بين قاض وقاض أو دائرة ودائرة فلابد من جمع الخصماء ونظر الحال بحزم وعزم، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه والقضاة الاخيار من بعدهم يقطعون الأمور مع كثرتها وعظمتها قطعاً حكيماً أميناً عاقلاً.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved