الإخوة قراء جريدة الجزيرة الكرام.. كل عام وأنتم بكل الخير والعافية، قرأت ما كتبه الأستاذ عبدالله الكثيري في زاويته الأسبوعية عبر صفحة شواطئ، وما تبعه من تعقيبات وكتابات متنوِّعة وبالتأكيد لن أضيف جديداً، ولكن لأنني كنت قد كتبت هذا الموضوع من ثاني أيام رمضان أحببت أن أخرجه من ظلام الأدراج الى نور الجزيرة، كتبت أقول:
من العام الى العام ومن رمضان الى رمضان ينتظر المشاهد السعودي وربما العربي العمل التلفزيوني السعودي الشهير «طاش ما طاش» ذلك العمل الذي اختار لنفسه الطابع الكوميدي الساخر جداً في نقاش وتناول القضايا الاجتماعية الهامة..
وكون طاش يصدر من هنا من السعودية فإن ذلك يعني انه يعبِّر عن وجهة النظر السعودية والفكر السعودي لمجتمع لا يمكنه أن يتخلى عن القيم بأي حال من الأحوال.. ولست هنا في صدد الحديث عن العمل من النواحي الفنية التي ربما لا أجيدها كوني غير متخصص في هذا المجال ولكنني أتحدث من منطلق التذوق والاهتمام بأي عمل يقدم على الساحة الاعلامية الواجهة لأي مجتمع من المجتمعات.
وما من شك في أن الكثير من الكتَّاب والاعلاميين قد أشبعوا «طاش» حواراً ونقاشاً على صفحات الصحف والمجلات وأعطوا العمل ما يستحق من الثناء أو الهجاء أو الرثاء «الذي راق لفئة كبيرة أن تتغنى به».
من هنا أخص الحديث عن العمل في هذا العام من بدايته بما أننا لم نشاهد من الحلقات إلا الأولى والثانية التي أكتب هذه المقالة بعدها مباشرة، فأقول إن على فريق العمل وخصوصا من يتولون زمام القيادة والأمر والنهي في كل جزئيات العمل، أن يتذكروا أنهم مطالبون بمراعاة الأذواق العامة لكل من يشاهدهم.. ولا يتحدثون من باب فكرة وصلتهم من انسان أطلق حكمه على قضية معينة من وجهة نظره الشخصية وقدمها لهم من أجل تحويلها الى مشاهد تلفزيونية ساخرة.. بل لا بد من دراسة الفكرة من جميع النواحي وعدم الاستعجال في التعبير عنها قبل التأكد من صحة الفكرة وموافقتها للواقع العام وكذا السؤال عن الهدف من تقديم الفكرة بهذه الصورة.
لا أريد ان أشتت أذهانكم، وأخص الحديث عن الحلقة الثانية «بدوم محرم» وكيف صوَّرت المرأة السعودية بأنها على درجة من الحرمان والظلم في الكثير من الأمور الحياتية الهامة.. وأن المحرم أصبح حجر عثرة في طريق المرأة وممارستها لحياتها بكل حرية وسلاسة.. لدرجة أنها لا تستطيع ان تدخل مطعما إلا ومعها محرم!! وكأن الأكل في المطاعم والأماكن العامة من أهم أهداف ومطالب المرأة السعودية، وهذا بالتأكيد غير صحيح.
علاوة على تصوير بعض الاشكاليات التي تواجه المرأة السعودية في كل مكان تتوجه اليه، في السوق.. في الدائرة الحكومية.. في الحدائق العامة وغيرها، وكيف ان الشباب السعودي على أهبة الاستعداد لاعتراض طريقها بصورة أو بأخرى وليس هذا هو مجمل الواقع الذي يعيشه الكثير من شباب الوطن الطموح دوماً الى العلا ومكارم الأخلاق.
أضف الى ذلك ما شاهدناه من تصرف المرأة مع الرجل الكبير في السن، وكيف أصبح اصطحابه الى الأماكن العامة بطريقة استهزائية ليس لها أي هدف سوى طرد المعترضين «بالعصا».
حقيقة على من قدَّم الفكرة ومن حولها الى سيناريو وحوار ومن اعتمد البدء في تصويرها ان يراجعوا حساباتهم من جديد ويضعوا نصب أعينهم ان الحفاظ على المرأة واشتراط المحرم معها في كل مكان ليس من قوانين البشر التي تتغير متى ما أردنا ولكنها من سنن الله تعالى وتوجيهات النبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم الذي حث على التستر والحجاب وعدم التنقل بدون محرم درءاً لمفاسد قد يتسبب بها هذا الأمر..
أما في المجتمع السعودي الشريف فإن للمرأة كامل الحقوق ولا نراها محرومة إلا من أمور لا يحبذها الشرع ولا المجتمع، أما إذا كان هناك من يعتقد بأن عدم دخول المرأة للمطعم وحيدة أمر فيه تقصير في حق المرأة فهذا يمثل وجهة نظره الذاتية وله فيها ما يشاء ولا يجب تعميم ذلك على كل الرجال والنساء.. وإذا كان هناك من تطالب بفك القيود الوهمية أو من يطالب بفكها أيضا، ففي الوقت ذاته هناك كثيرون - وهم الأكثر - لا يصفقون لمثل تلك العادات الدخيلة والشعارات المسببة للفتن والشبهات سواء للمرأة أو الرجل.. ولاسيما أن الحلقة وصلت بالأمر الى درجة من المبالغة غير المصدقة ولا يمكن حدوثها ولو في ضرب من ضروب الخيال وهي ان رجال الشرطة يمتنعون من مساعدة المرأة عند الحاجة الماسة إلا إذا كان في بيتها محرم حتى ولو كان في بيتها لص بلغت عنه الشرطة؟ ولو ان امرأة سعودية استنجدت برجل من أبعد الناس عنها لما كان منه إلا أن يقدم نفسه من أجل نصرتها والحفاظ على عفتها وكرامتها من أي شيء، فما بالك والحديث عن رجال الأمن الذين يحمون كل فئات المجتمع وخصوصا المرأة.
والمشاهد اليوم يعلم ويفهم ويدرك مدى الخيال والمبالغة المسموح بها والمطلوبة في التعبير عن الأفكار بأي عمل من الأعمال.
ووالله ان أسهل وأسرع من تنتهي اجراءاته في كل مكان هي المرأة ونحن نشاهد ذلك في المطارات والمستشفيات والأسواق وغيرها.. وهذا من تقدير الناس لها ولخصوصياتها.
وفي الختام وكما قال الأستاذ الكثيري وقد أصاب.. لا استطيع القول بأن كامل الأفكار المقدمة في العمل غير مقبولة، بل هناك عدد من الأفكار المفيدة والهادفة التي تخدم المجتمع.ولا نتمنى سوى رؤية أعمال سعودية مشرِّفة تحكي الواقع بصورة مقبولة دون زيادة أو نقصان.
جميل فرحان اليوسف
سكاكا - الجوف
|