المألوف هو الشيء الذي يألفه الناس ويتعودون عليه، ويكون الخروج عن المألوف عندما يأتي شخص مبدع أو مبتدع، فيطرح لوناً أوشكلاً جديداً من الفن لم يألفه الناس من قبل، وبالتأكيد تنهال الانتقادات في البداية، وفترة بسيطة ويصبح الشكل أو السلوك الجديد مألوفاً، ومحبوباً لدى الكثير من أفراد المجتمع، ولا استعداد لديهم للتنازل عنه، ويتجرأ مبتدع آخر ويخرج عن ذلك المألوف ويأتي بشيء جديد، وفترة بسيطة ويصبح جديده مألوفاً هوالآخر.. وكذا تمضي الحياة بين مألوف وغير مألوف..
في الفن المعماري على مر تاريخه حدثت ثورات معمارية شتى كان فيها خروج عن المألوف، نشأ عنه تيارات معمارية متناقضة بين مؤيد ومعارض، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها البيت المزاجي (Casa EL Capricho) للمعماري الإسباني الشهير أنتوني جاودي (Gaudi) ، وهو بيت يقع بالقرب من مدينة سانتاندر شمال إسبانيا تم تصميمه بطريقة مزاجية غريبة، غير مألوفة، يقول المعماري السعودي خالد بن حسن زاهد: «يتصف البيت المزاجي الذي صممه جاودي بجاذبية وحيوية قوية تدل على مدى براعة التأثير البصري، فالشكل غيرالمألوف للمبنى يعطيه الندرة المطلوبة ليكون مميزاً وفريداً..». لقد لقي هذا التصميم انتقادات لاذعة في البداية، وما لبث أن أصبح فناً مألوفاً يقبله الكثيرون ويشيدون به، وأيضاً هناك مبنى آخر صممه جاودي أصبح رمزاً معمارياً يزين برشلونة، إنه مبنى الكنيسة المشهور الذي يسمى سيجرادا فاميليا La (Sagrada Familia) ويعتبر ذلك المبنى نقلة جديدة في الفن، تسمى )آرت نفو) أوالفن الجديد (ART NOUVEAU) وهي حركة ثقافية كبيرة شملت معظم الفنون (الفن المعماري، فن الرسم والنحت، الفنون الأدبية .. الخ) وبدأت من فرنسا وبلجيكا بمساندة حركات ثقافية أخرى مثل حركة اليوجن شتيل أو فن الشباب (UGEN STIJL) التي ظهرت في ألمانيا والنمسا، وكلها حركات وتيارات تحاول أن تخرج عن الأعمال المألوفة، وتتحرر من قيودها.. لا داعي للخوض في الفن المعماري فهو فن غير مألوف لدى معظم أفراد مجتمعنا، ولنأخذ فن الطرب لشرح فكرة الخروج عن المألوف.
كان فن الطرب في الماضي ينتقي قصائد قوية رزينة لها مضمون واضح وهادف.. مل الناس من ذلك وأصبحوا بحاجة إلى أغانٍ من نوع جديد، أغانٍ بلا مضمون واضح، أغانٍ خرجت عن المألوف خروجاً بلا عودة، أغانٍ عجيبة لا يمكن تسميتها سوى فن له جمهوره ومحبوه.. وأمثلة تلك الأغاني كثيرة مثل أغنية افرض مثلاً مثلاً .. إلى قوله: النوم النوم النوم النوم النوم، وأغنية إس إس إسلامو عليكم.. طب إس إس.. وأغنية الكيمي كيمي كا والكيمي كو.. الكيمي كيمي كا والكيمي كيمي كو.. ومن الصعب جداً مقاومة أو انتقاد مثل تلك الأعمال فهي ظاهرة عالمية، والبقاء لها في ظل وجود أجيال تعجبها تلك الخزعبلات.. أجيال تطربها الأعمال غير الهادفة.. التقيت بشاب يدعي أنه شاعر موهوب، اكتشف طريقة عابثة خيالية، تعطي المتلقي مساحة جيدة للتفكير والعيش ضمن خيال القصيدة، ويتمنى ذلك الموهوب من زملائه مطربي الخليج أن يتغنوا بقصائده، ويتعهد لهم أنها ستنال إعجاب الجماهير، تقول إحدى قصائده:
لو قلت في قلبي مخماخ وعنون
ينحط جرمون القطيع فنذابة
متوطي ببطني شرماخ برجون
مانيب ملسون بتقص لسانه
بتعيش أيامك باملاخ وطعون
وتعرف جنون وهبال حنذابة
لو كان في دربي دعماخ بحمون
ينشق الأوزون وتشوف المناعة
|
أتمنى أن تسلم طبقة الأوزون من تهديدات ذلك الشاعر العابث.. ولا يسعني إلا أن أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
tnalbakr@hotmail
|