ماذا أقولُ إذا اللسانُ تعثَّرا
وإذا الكلامُ مع المصابِ تبعثرا؟
ماذا أقولُ إذا اللغاتُ استسلمتْ
وإذا الجنونُ من الجنونِ تحيَّرا؟
لم يبقَ للكلماتِ معنىً ههنا
فالصمتُ صارَ على التحدثِ أقدرا
يا ليلةً رُسِمَتْ بريشةِ مبدعٍ
كم كان حسنُكِ للمشاعرِ مُسكرا
الكونُ في حضنِ السكينةِ حالمٌ
والبدرُ في وجهِ السماءِ تصدَّرا
ونسائمُ الأسحارِ تلهو حُرَّةً
في عالمٍ بشذا الأمانِ تعطَّرا
فإذا الدَوِيُّ يصُمُّ آذانَ الرُّبى!
وإذا الهدوءُ المطمئنُّ تكدَّرا
وإذا اللهيبُ يشقُّ أستارَ الدجى
وكأنما قلبُ المساءِ تفجَّرا!
الأرضُ من بعدِ النضارةِ شُوِّهَتْ
والليلُ من بعدِ التبسُّمِ كَشَّرا
والبدرُ بادرَ للخسوفِ كأنَّه
طفلٌ رأى ما هاله فتستَّرا
وأبٌ يفتِّشُ في اللَّظى عن أسرةٍ
نُسِفَتْ، ويسألُ نفسه: ماذا جرى؟!
في صدرِه قلقٌ أذابَ ضلوعَه
والقلبُ من هولِ الخطوبِ تفطَّرا
أمسى يناديهم ولكنْ لم يجدْ
صوتاً يلبِّي صوتَه المتكسِّرا
بين الحطامِ أرى عجوزاً حُطِّمَتْ
وأرى الحجابَ برأسِها متصبِّرا
برمادِ مصْحفِها تَخَضَّبَ وجهُها
أرأيتَ في الدنيا خِضاباً أنورا؟
بفتاتِ سُجَّادِ الصلاةِ تكفَّنتْ
والليلُ يجثو حولها متحسِّرا
وكأنها إذْ كبَّرتْ لصلاتها
لم تدرِ أنَّ تمامَها ما قُدِّرا
وأرى النخيلَ الباسقاتِ قد انحنتْ
تبكي على جثمانِ طفلٍ أُهدِرا
يا أيها الطفلُ الطريحُ هناك هل
ضيَّعتَ أمَّكَ حينَ نمتَ على الثرى؟
وقميصُكَ المُحْمَرُّ هل بدَّلتَه؟
قد كنتُ أذكره قميصاً أخضرا
ما لي أرى عينيكَ قد سكنتْ؟ فهل
جفناهما بعدَ الحِراكِ تحجَّرا؟
وكأنَّ في عينيكَ ألفَ تساؤلٍ
لكنَّ ميعادَ الجوابِ تأخَّرا
الليلُ ينظرُ للدمارِ بحسرةٍ
ويقول:ُ ظلمٌ يا ابنَ آدمَ ما أرى!
تبَّاً لنفسٍ لم تزلْ مشتاقةً
لترى دماءَ الطُّهْرِ تجري أنهرا
تبَّاً لعقلٍ إنْ وجدنا من غدا
من غيرِ عقلٍ بالرجاحةِ أجدرا
تبَّاً لدينٍ يأمرُ الإنسانَ أن
يسعى ليغرزَ في رضيعٍ خنجرا
يا أيها الإنسانُ ليتكَ لم تكنْ
إنْ كنتَ لم تُخلقْ سوى لتدمِّرا
في كلِّ دمعةِ طفلةٍ يتَّمتَها
بحرٌ سيغرِقُ قلبَكَ المتجبِّرا
وبكلِّ حرقِة بائسٍ أحزنتَه
نارٌ ستحرقُ وجهَكَ المتكبرا
فإذا وقعتَ بقبضِة الأيامِ لن
يُنسى الذي قارفتَه أو يُغفرا
قولوا لمن قتلَ البراءةَ غيلةً:
إنَّ العدالةَ أقسمتْ أنْ تثأرا!