الحمدلله الذي جعل الصيام جُنَّة، وجعله سبيلاً موصلاً الى الجنة وبعد:ها نحن نعيش ونعايش أيام رمضان وليالي رمضان والمسلم والمسلمة اذ يعيشان هذا الشهر الكريم هما في مدرسة وجامعة عريقة في تاريخها جليلة في مبادئها، عظيمة في مآثرها.
إنها مدرسة الصيام التي يتعلَّم منها المسلمون ويتهذب بها العابدون ويتحنث بها المتنسكون.
يا صائماً ترك الطعام تعففا
أضحى رفيق الجوع واللواء
ابشر بعيدك في القيامة رحمة
محفوفةً بالبر والإحسان
يا صائماً عافت جوارحه الخنى
ابشر برضوان من الديان
عفو ومغفرة ومسكن جنةٍ
تأوي بها من مدخل الريان
|
ولشهر الصيام إيحاءات عديدة منها:
1- أنه يشعرك بالوحدة الاسلامية: حيث نشعر بإخواننا في اقاصي الارض ومغاربها جميعا نصوم كما يصومون، ونفطر كما يفطرون، فابتداء الصوم واحد، وانتهاء الصوم واحد، وزمانه على الناس واحد، الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس.
2- انه يشعرنا بالتعبد والاخلاص لله جلَّ وعلا وامتثال أوامره: الاخلاص مطلب مهم في العبادات، وعندما يغيب عن المسلم استشعار الاخلاص، والتعبد في شرائع الدين تتحول الصلوات الى حركات بدنية رياضية، وعندما يغيب التعبد يتحول الصوم الى جوع وعطش وتخسيس وحمية.
3- التربية على العبادة:
فالصيام يرينا على العبادة وعلى التحنث لله رب العالمين فلئن كان المسلم يعبد ربه جلَّ وعلا في سائر سنته وفي سائر شهوره وأيامه الا انه يأخذ في رمضان دورة عبادية يزيد فيها جرعات الطاعة ونكهات الايمان والاخلاص حتى يقوى على ماتبقى من الشهور ويجعل هذه الفرصة منطلقاً الى فعل الخيرات قال صلى الله عليه وسلم «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» فرمضان شهر القيام.
4- انه يدرب نفوسنا ويوطنها على هجر المعاصي وترك الذنوب: فالمعنى السامي للصياح يجمع بين التقوى الحسية والتقوى المعنوية فمن أخل بواحدة منها فما استكمل الصيام، ولذا قال جلَّ وعلا {يّا أّّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا كٍتٌبّ عّلّيًكٍمٍ الصٌَيّامٍ كّمّا كٍتٌبّ عّلّى الّذٌينّ مٌن قّبًلٌكٍمً لّعّلَّكٍمً تّتَّقٍونّ }.
5- انه فرصة للتربية الاسلامية الحقة: قالت الربيع بنت معوذ «رضي الله عنها» عن صيام عاشوراء: «فكنا نصومه ويصومه صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن - يعني الصوف - فاذا بكى احدهم على الطعام اعطيناه ذلك حتى نكون عند الافطار». رواه البخاري ومسلم، هكذا كان الصحابة يربون ابناءهم على اداء الشعائر والعبادات ويدربونهم في مدارج الكمال والتعبد لله جلَّ وعلا ومن سنَّة المصطفى انه كان يسلم على الصبيان، وقال صلى الله عليه وسلم «مروا ابناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر» وأقرَّ حجَّ الصبي.
6- أنه تكافل وترابط ومواساة وشعور بآلام المسلمين يقول صلى الله عليه وسلم «من فطَّر صائماً فله مثل أجره غير انه لا ينقص من أجر الصائم شيء»، فلماذا لا نساهم في تفطير الصائمين ولو بأقل القليل.
7- أنه شهر الجدية والعزيمة والحركة والعمل، معاركنا الفاصلة ومواقعنا التي رفعت رأس الأمة عالياً وكانت للاسلام فرقانا، وللأمة فتحاً، كانت في رمضان فغزوة بدر وفتح مكة ومرجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك، وموقعة عين جالوت كانت في شهر رمضان.
ان الصيام يربي العزيمة والقوة ان تغلب الشيطان وتهزم دواعي الهوى نحن نسمع عن ما بالاضراب عن الطعام فتجد المسجونين يمتنعون عن الطعام والشراب ليبينوا للسجانين انهم اقوياء في العزائم انهم لن يستسلموا هذا وهم لا يعرفون معنى التعبد والاحتساب، ونحن المسلمين نعرف معنى التعبد والاحتساب فأين المضي في عزائمنا وإرادتنا، اولئك يضربون عن الطعام ويحققون آمالهم وهم بلا تعبد ونحن الآن نصوم شهراً فكم نصوم في اعوامنا من الشهور وعندنا قصد التعبد والاخلاص، ان المسلمين الاوائل صاموا فحرروا البلدان وكسروا هام الطغيان ونحن نرى الآن الامة تصوم فهل حررت بلدانها وهل رجعت مغتصباتها وهل ردت اليها حقوقها، هذا هو السؤال؟ولكن الجواب ان الفرق بين قديم الأمة وحاضرها ان الصيام الحقيقي يختلف عندنا وعندهم.جعل الله صيامنا صياما حقيقيا مقبولا واجعله إيمانا واحتسابا إيمانا بما عنده، واحتسابا لثوابه يا مولانا وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(*) إمام وخطيب جامع الأميرة موضي السديري بالعريجاء
|