معظم الدول الغنية الكبرى لم تعد اليوم تعمل في الظلام أو تتصرف مثل حاطب ليل، بل لها توجهاتها الواضحة، واهتماماتها المعلنة وبصمتها العريضة في هذا المجال أو ذاك.
فمثلاً تجد اليابان في سورية وفي اليمن وفي بلغاريا والسنغال ودول أفريقية وآسيوية عديدة أخرى تساعد على الاكتشافات الأثرية وعلى تنمية المجتمع بالأشغال والاستثمارات الصغيرة للأسرة تؤمن لها الموارد والمداخيل البسيطة.
فرنسا حققت مع مصر - عبر بعثتها العاملة هناك مع فرقة مصرية - اكتشافات أثرية كبيرة تتبلور في مزارات تاريخية تضيف الى رصيد مصر الضخم الشيء الكثير، بل دخلت عبر بوابة العلم والثقافة الى كثير من البلاد العربية الأخرى تنهض بالتراث وبناء الإنسان والبيئة تدعم العلوم البحثية والبيئية! إلى درجة إعادة الدراسة والبحث وتسليط الأضواء - عبر حلقة علمية - إلى أشهر العلماء العرب وأكثرهم أثراً على تقدم الغرب في الطب والفلك والعلوم الأخرى مثل: ابن رشد، ابن سينا، الخوارزمي.. وغيرهم من الرواد الأوائل! هذا الى جانب مشاركات ثقافية واسعة في المسرح والفنون المختلفة، فرنسا أعادت الاعتبار الى المناضل الكبير «عبدالقادر الجزائري» عدوها بالأمس رافعاً راية تحرير الجزائر من استعمارها حاربها بشراسة وشرف وضراوة!
فرنسا - هنا - في دروب «العلا» وعلى مرتفعاته شاركت فرق تفتيشها مع البعثات السعودية عن الآثار ومعالم للتاريخ في باطن الأرض وعلى جنبات امتداد مدائن صالح عليه السلام، وكذلك تنجز الكثير تحت سفوح جبال اليمن، وعلى امتداد الوديان، فرنسا - على سبيل المثال - نشير إليها فقط مجرد إشارة لا تكفي قطعاً ولا تفي.
ولكن هناك أيضاً بلجيكا والدانمارك وسويسرا والسويد دول لا تُحكم من «10 دواننج ستريت» Dawoning street»؟ ولا من بيت أبيض!! ولا تأتي أخبارها من فظائع ترتكبها ضد البشرية عبر العراق ومن شوارع القدس وانقاض رام الله ومخيمات البؤس والإفناء! للاجئين الفلسطينيين! في طرابلس وعين الحلوة والفاكهاني وجبل عمان..!! وإنما هي دول أخرى، على النقيض من 10 داوننج ستريت! ومقتل العالم البريطاني خبير الأسلحة «ديفيد كيلي Davek Keli» ومحاكمة توني بلير على أثر ذلك؟!
هي أيضاً - ومثلاً ومثالاً - اليابان لا تعقد المحاكمات الجنائية لحكامها على أفعالهم في التسلط وقهر الدول والشعوب في فلسطين وأفغانستان والعراق!! والسهر على حراسة نفطه مقابل إهدار إنسانيته وخلخلة نظامه الاجتماعي وهدر ثرواته وسرقة تراثه ومتاحفه وتشريد أبنائه؟!
***
نشرت الصحف المصرية ان وزارة البيئة تنفذ «حالياً» مشروعاً للتوسع والمحافظة على نبات المانجروف بسواحل البحر الأحمر بالتعاون مع منظمة الأخشاب الاستوائية باليابان بتكاليف 500 ألف يورو تقريباً.
ليست التكلفة هي المعنى! صغرت أو كبرت وإنما النوايا والأفعال ومَنْ يفِد من؟ ومن يدمر ويوظف قوته وقواه للقتل! واستدرار لعنات الشعوب ضده! وحفر اسمه «الأسود»! في سجل التاريخ الإنساني! لا يجف حبره، سواء بفعل الدموع التي تسيل من نواح الثكالى! أو أنين الأطفال! وصراخ وتوجع الأمهات والأرامل! إنها ديمقراطية كولن باول وخطط 10 دواننج ستريت للثأر بمقتل 13 ألف طفل عراقي على يد نظامه السفاح! بقتل عدد أكبر من هؤلاء عبر شن حرب مجنونة شلت الاقتصاد العالمي! بما فيه السياحة طبعاً! التي انكمشت وهبطت الى اضعف مستوياتها! وأعلن إفلاس شركات طيران ضخمة وسرح الآلاف من عمال بريتيش ايرويز البريطانية ذاتها؟
وعانى العالم اجمع وسيعاني - بالطبع - من كساد كبير نتيجة انخفاض رهيب في معدل نموه! والخافي بل والمعلن! أفظع! تجسده أسوأ أنواع الهمجيات العدوانية في عالم اليوم! لم يُشهد لها مثيلاً أذهلت - ولا تزال كل عاقل! لما استهدفته - وخلفته - من دمار وخراب طال الدنيا كلها! لم تسلم منه بقعة في الكون على امتداد المعمورة!
وبينما اليابان وفرنسا - مثلاً - تتحركان هنا وهناك في مواقع منتجة وداعمة لنمو المجتمع وخير البشرية، فأمريكا وبريطانيا عيونها مفتوحة لحراسة نفط العراق، بينما هي مغلقة من ناحية أخرى عن لصوص المتحف العراقي والآثار وذخائر التراث الإسلامي هناك!؟ والله المستعان.
|