ظل «الحكواتي» قبل الآلة مقروءة ومسموعة مواظباً على تقديم الحكاية؛ ليطرز كل قضية يرويها بعنديات مواربة ومتوائمة لا تجد فيها شططاً أو ذهاباً نحو الألغاز والتعمية؛ فهي رحلة للبراءات الجميلة والساذجة للحكاية التي تستخلص منها العبرة والموعظة والنصيحة والخبر والأدب.
لكن بعد تواريه خلف سدول النسيان؛ تفشت ظاهرة المنطوق الصامت؛ والصامت المتحرك وما إلى ذلك من المنعطفات الخطيرة في حياة وضمير المجتمع.. تلك التي جعلت من الحكاية قبراً للكلمات؛ فلم يعد الإنسان هو المنتج والمسوق لها بحواسه وجوارحه لتأتي على هيئة لوحات ورسومات متحركة؛ وغناء محنط عبر الكاسيت والأقراص وما إلى ذلك من بدائل جعلت من «الحكواتي» عملة بالية؛ وقوة خائرة؛ غير ما نراه في كتب ما زالت تجاهد في الوصول إلى القارئ.
نعم «الحكواتي» فقد دوره؛ بل فقد صوته - كما يقول القاص عبدالعزيز الصقعبي - لأن الآلة هاجمته بضراوة حتى عطلت أدواره العفوية الجميلة في تداول الحكاية من مصدرها الرئيس إلى مستودعها الدائم ذاكرة الإنسان.. لا أعتقد أن تعود الحكاية إلى مجدها على لسان «الحكاء» الحاذق.. ما رأيكم..؟!.
| 
