من طبيعة هذه الحياة التي نعيشها أن نمر بظروف مختلفة منها المفرح ومنها المحزن، وهذه الشدة التي تتعرض لها أجسامنا لو أنها استمرت بشكل متواصل لقضت على حياتنا لما لها من تأثيرات عنيفة على أعضائنا الحيوية، ولكن الله رزقنا نعمة غريزية هي النسيان التي لولاها لعشنا الأحزان أياماً طويلة لا تفارقنا ولا نفارقها.
ولاشك ان العمل الجراحي الذي يتعرض له الإنسان هو شدة من هذه الشدات التي نواجهها، وكان لابد ان تكون الاجراءات حول العمل الجراحي من تحضير للعملية وأجهزة متعددة وأدوات غريبة وعدد كبير من الممرضات والأطباء الذين يشاركون في العمل الجراحي في عداد النسيان من قبل المريض المقبل على الجراحة.
ولهذا كان لزاما على طبيب التخدير تحضير المريض الذي ستجرى له عملية جراحية بأدوية خاصة تساعد على التهدئة والنوم منذ اللحظات الأولى لدخوله جناح العمليات، ومن الأهداف الهامة لهذه الأدوية ان تحدث ما يسمى بالنساوة Amnesia أو النسيان لكل ما يراه المريض بعد إعطائه هذا الدواء والذي ينتمي لفئة دوائية هي البنزوديازبين، هذه النساوة قد تكون إجبارية في بعض الظروف، ولاسيما عند الأطفال حيث ان الذاكرة غير السعيدة لديهم تسبب صعوبات عديدة إذا احتاج الطفل لعمل جراحي آخر فيما بعد.
هذه النساوة في الحقيقة هي مؤقتة تبدأ بإعطاء الدواء المسبب لها وتنتهي بانتهاء مفعوله الذي لايتجاوز ساعات قليلة وهي فترة مناسبة لنسيان أحداث ما حول وقبل العمل الجراحي.
وكثيراً ما يستيقظ المريض في غرفة الإفاقة ليسأل الطبيب المخدر عما إذا كانت العملية قد بدأت بعد أم لا (وفي الحقيقة يكون كل شيء قد انتهى، ولكن المريض لايتذكر أي شيء يتعلق بالعملية أو التحضير لها).
ولا ننسى في معرض الحديث عن النساوة المحدثة بالأدوية بأن اكتشاف هذه الأدوية واستعمالها من قبل أطباء متخصصين في المستشفيات هي نعمة كبيرة من الله توازي نعمة توفر الأدوية المستعملة في التخدير والتي لايشعر المريض بسببها بالألم الناجم عن العمل الجراحي.
( * ) أخصائي التخدير والعناية المركزة
|