Thursday 13th november,2003 11368العدد الخميس 18 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إلى كل فاقد للشيخ يوسف (*) إلى كل فاقد للشيخ يوسف (*)
محمد بن صالح العبودي

أبعث إليكم هذه الكلمات محملة بالتعازي والرحمات، أشيعها إليكم من قلب أحبكم في الله، أسأل الله أن يجمعنا ووالدينا ووالديكم في مستقر رحمته.
إن من اثقل الانكاد التي تمر على الإنسان، وأشد المصائب على القلب، التي لها نار تستعر، وحرقة في القلب تضطرم.. فقد الأحباب، فهم الرياحين للفؤاد، والزينة بين العباد، والمرجع عند الآلام.. وأبونا وخالنا وعمنا وصديقنا.. عليه رحمة الله، جمع من السجايا ما كل فردٍ عرفه لا ينكرها، وها أنا أشهد ويشهد الواقع أنه كان كريماً، فكم بذل في جمع الأخوات والإخوان والأحفاد، وها أنا أشهد ويشهد الواقع أنه كان رحيماً متواضعاً واصلاً، وأشهد ويشهد الواقع أنه كان محباً لكل خير باذلاً لما فيه صلة وبر، فلا اجتماع ولو بعد إلا وتكحلت أعيننا برؤيته، ولا مناسبة ولو صغرت إلا وقرت نفوسنا بلقائه، هذه هي الحقيقة يا فقيدنا الغلي:


إذا حضر الشتاء فأنت شمس
وإن حل المصيف فأنت ظلُ
وما تدري اذا انفقت مالاً
أيكثر في عطائك أم يقلُ
بوجهك نستضيء إذا سرينا
جبين في الليالي مشمعلُ
وذكرك في المسامع خير هادٍ
يكرر في الجموع فلا يملُ

فعليك يا أبانا.. وعليك يا خالنا.. وعليك يا عمنا.. رحمة الله، لك منا أكفاً ترتفع بالدعاء لك بالمغفرة والتجاوز.
نعم رحل فقيدنا بلا استئذان.. رحل بلا خبر.. رحل فقيدنا ولو علم وعلمنا الغيب لا ستكثرنا من وصله وزيارته والأنس بالجلوس معه.
رحل ولكن.. هذه الدنيا، دار الأكدار والمصائب، وهل رأيتم بل هل سمعتم بإنسان عاش بلا مصيبة أو هم.


حكم المنية في البرية جاري
ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا ترى الإنسان فيها مخبراً
ألفيته خبراً من الأخبار
ليس الزمان وإن حرصت مسالماً
طبع الزمان عداوه الأحرار

لكن العلاج الشافي والبلسم الكافي هو:{انا لله وانا اليه راجعون}.
الّذٌينّ إذّا أّّصّابّتًهٍم مٍَصٌيبّةِ قّالٍوا انا لله وانا اليه راجعون*}.
يا سعادة ويا فلاح من قالها وهو صابراً محتسباً الأجر عند الله، فله من الأجور مالا يحصى، وله من الحسنات مالا يعد.
في الجنة تسلم الملائكة على الصابرين فتقول:«سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار».
ولعظم أجر الصابرين اسمع لقوله سبحانه: {إنَّمّا يٍوّفَّى الصَّابٌرٍونّ أّجًرّهٍم بٌغّيًرٌ حٌسّابُ}، بل وأعظم من ذلك: {إنَّ اللهّ مّعّ الصَّابٌرٌينّ}.
واسمع لجزاء الصبر والاحتساب قوله سبحانه : {إنَّمّا يٍوّفَّى الصَّابٌرٍونّ أّجًرّهٍم بٌغّيًرٌ حٌسّابُ}.
وهذه الأجور ليست في أيام المصيبة فقط، قال صلى الله عليه وسلم :«ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة، فيذكرها وإن طال عهدها، فيحدث لذلك استرجاعاً، إلا جدد الله له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب».
ثم أعلم رعاك الله أنك لست أول من فقد أباه أو أخاه أو رفيقه، ولست الأخير.
واعلم ان هذه الوفاة لفقيدنا رحمه الله، إنما هي بقدر الله، وهي بلوى منه سبحانه، أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وهو سبحانه لا يرسل البلاء على عباده تعذيباً لهم!..لا.. إنما يرسله امتحاناً لصبرهم، ورضاهم بالقدر، وليسمع منهم الابتهال له، والانطراح بين يديه بالقلوب الكسيرة، والدموع الحارة، والدعاء الصادق، والتوبة النصوح.ولرب أمر ومصاب في عواقبه الفلاح بالجنة، والنجاة من النار.
إنه قدر الله وما شاء فعل، ولكن يجب أن نحسن البر بالفقيد بعد وفاته وذلك بأمور: أولها الدعاء له في السر والعلن، وتحري ساعات الإجابة.. الدعاء له بالثبات.. والدعاء له بالغفران.. والدعاء له بالجنة والنجاة من النار، والرضا من الله سبحانه، والبر بأصدقائه، وأدوم من ذلك كله جعل وقفٍ خيري له، كبنا مسجد أو كفالة أيتام أو غيرها من الصدقات الجارية، والتي تسعده الان وتقر عينه بها.
كما يبر به بما كان يسعده، وهو الصلاح والهداية إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث منها: ولد صالح يدعو له.
فيا أيه الإخوة: ابدؤوا حياة جديدة، واستغلوا رمضان بالتوبة النصوح، والالتزام بشرع الله والاستغفار له في هذه الايام الفاضلة.
والاتعاض والاستعداد لهذا اليوم، ولو نطق فقيدنا لقال:«{ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ }.
أخيراً لسان حال فقينا يقول:
(اسودت الوجوه المشرقة.. وأوقفت الكلمات.. وفقدت البسمات.. وصمتت الأحاديث.
ولكن ما قضى الله كان، وما كان شيء إلا بقدر، وقدر الله ما شاء فعل، ويامرحباً بالله وبما حكم.
بناتي وأبنائي/ كنت لكم كأشد ما يرحم الأب أبناءه، كنت لكم الأب الحنون الرحيم، كم مرضت يا ابنتي وسهرت وأنا أقاسي آلامك.. كم غبت يا بني فضاقت بي الارض بما رحبت حتى رأيتك سليماً معافى.
كم بسمة كدت أطير بها فرحاً منك يا بني وأنت في المهد رضيعاً.
وأنت يا زوجتي كم اغضبتك، فكنت لي نعم الزوجة البارة الحليمة الحكيمة فلك منى التحايا والتسليم.
وأنتم يا اخوتي ويا أخواتي الغاليات الوافيات.. لا تقدر الكلمات ان تحمل المعاني، لما في القلب من حب وتقدير لما تقدمونه لي من احترام وولاء.
بل وحتى أنت يا بيتنا أودعك يا أحب البيوت إليَّ، ويا خير المساكن لقلبي.
يا كل غالٍ ويا أبنائي وبناتي: إني أخاطب في قلوبكم أبوتي.. أخاطب فيكم عقولكم ودينكم الذي امركم ببري وطاعتي.
لا يطل حزنكم عليَّ .. بناتي: لا تؤذوني بطول بكائكم عليَّ، ولكن عليكم بالأكثار من : {انا لله وانا اليه راجعون}.
أنتم يا زملاء العمل ويا أصدقائي، كم قضيت معكم من جلسة فرح، ورحلة أنس، واجتماع سمر.. لكن هذه سنة الله في خلقه ولا حول ولا قوة إلا بالله ولم يخلد في هذه الحياة أحد، والخلود لله سبحانه.
على ذا مضى الناس اجتماع وفرقة
وميت ومولود وبشر وأحزان
وها أنا أوجه لكم آخر نصائحي التي كانت آذانكم تمل من سماعها حال حياتي.
يا كل غالٍ: قلبي يلتهب من حرقة وجمرة فيه، وماذاك إلا من حق رأيته، أنتم غافلون لاهون عنه، إنها أمور عصيبة، وأهوال عظيمة سكرات أشد من الضرب بالسيوف والنشر بالمناشير، الله الله بالاستعداد لها بالعمل الصالح، أقول: استغلوا دنياكم وأيامكم قبل فنائها.. استغلوا الدقائق قبل الساعات، واستغلوا هذه الشهر الكريم الذي تضاعف فيه الحسنات فوالله إنكم ستندمون على دقيقة لم تنفقوها في طاعة الله.
يا كل غالٍ: ها هي شمسي قد غابت، ولكن هناك شمس لم ولن تغيب بإذن ربها.. ألا وهي شمس الصلاة والقرآن والتوبة والذكر، فحذاري من أن تعيشوا بالظلام، عليكم بقراءة القرآن وتدبره والعمل به، وبكثرة الصلاة، وخاصة الوتر برمضان وغير رمضان، ولا تعدموا ستا من شوال- ولكم تمنيت إتمام رمضان وبلوغ شوال فأصوم هذه الست الحبيبة والتي تعدل الدنيا وما فيها- فهذا هو العزاء بي وهو الجابر بفقدي.
وبالجملة عليكم بطاعة الله والبعد كل البعد عن معصيته فهو والله النجاة.
أوصيك يا ابني أوصيكم بأخواتي خيرا.. لا يفقدنكم في مناسبة أو اجتماع..
جالسوهن.. واسوهن.. إياكم والابتعاد عنهن.
وأنتم يا أصدقائي: كفاكم لهواً.. كفاكم غفلة عن هذا اليوم الذي أدركته.. والله إنه بلا إنذار ولا استئذان.. توقعوه كل يوم لتحسنوا الاستعداد له.
يامن تقرأ كلماتي: أخيرا أسئلكم أمرا عظيما عندي، سهلا يسيرا عليكم وهو أقل ما تقدمونه لي بعد وفاتي.
أنا لا أطلب منكم بكاءً.. لا.. بل اطلب دعاءً.. أطلب منكم أكفا ترفعونها لله أن يرحمني.. فإني الآن بأمس الحاجة لدعائكم.
أبنائي وكل غالٍ: بروا بي الآن بصلاحكم والتزامكم بشرع الله.
هذا ما تقر به عيني، فلا تردوا لي طلبا بعد فقدي للحياة.
أخيرا: كلي أمل أن تصلكم هذه الكلمات وأنتم بوافر الصحة والعافية والإقبال إلى الله سبحانه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(*) توفي الشيخ يوسف بن موسى الزويد صباح يوم الخميس 27/8/1424هـ

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved