Thursday 13th november,2003 11368العدد الخميس 18 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دعاة التطرف والوسطية! دعاة التطرف والوسطية!
سعود البلوي

إن سياسة «الشجب والاستنكار» لا تعدو كونها ظاهرة صوتية أثبتت فشلها.. ومن يرد التثبت فعليه مراجعة «أرشيف» جامعة الدول العربية على مدى أكثر من خمسين عاماً.
وإن ردود الفعل حول ما حدث من عدوان إرهابي على عاصمتنا «الرياض» قبل أسابيع لن تكون ذات فاعلية، إذا كانت فقط على طريقة الشجب والاستنكار.
وأعتقد أن أولى خطوات الحل لمشكلة الإرهاب والتطرف التي نعيش تداعياتها تكمن في «الاعتراف» أولاً، بأن هذه «الأيديولوجيا» ليست كما يردد كثيرون «دخيلة على مجتمعنا».. «وكأنها هطلت من السماء أو نبتت مع فطر الأرض» كما يقول الكاتب الرائع فهد السلمان.
فهذه «الأيديولوجيا» تمت صناعتها والترويج لها داخلياً بسبب عوامل خارجية إبان الحرب «الأمريكية - السوفيتية» في أفغانستان..
ثم تبع ذلك مرحلة أخرى - وهي الأخطر - تتمثل في بعض «الدعاة» المغالين الذين بثوا «ثقافة الكراهية» في أدمغة شبابنا بطرق مختلفة كالقصائد الثائرة، والخطب العصماء، والأهازيج التي يتخللها صوت الرصاص، التي انتشرت عن طريق «الأشرطة» في فترة من الفترات.
هذا كان من ضمن «المعبئات» والمثيرات الكبرى لشبابنا في مرحلة ما، حتى تجاوز بعض أولئك الدعاة كل خطوط الوحدة الوطنية! ومن خلفهم أولئك الشباب المتحمسون يتداولون خطبهم وقصائدهم.. ويهتفون مهللين بعد كل حرف تنطقه شفاه أولئك الدعاة.
وبعد سنوات.. عاد بعض «دعاة التطرف» إلى طريق الهدى وسبيل الرشاد، داعين إلى الوسطية والاعتدال ونبذ التطرف والغلو في الدين!
لكن هذه العودة المصحوبة بالتسامح لم تكن ذات تأثير على أولئك الشباب لتثنيهم عن الاتجاه نحو التطرف الديني، لأنهم مازلوا متعلقين بالشخصية السابقة للداعية الذي كان يلهب مشاعرهم بخطابه المتطرف..
وعلى الرغم من العودة إلى خطاب أكثر عقلانية وأقل تطرفاً، إلا أن «سيكولوجيا التطرف» هي المسيطرة على نفوس شبابنا؛ فيتم إعادة إنتاج المتطرفين بطريقة أخرى حيث اتجهوا إلى فكر هدام متطرف آخر «فكر أسامة بن لادن»، حين تم تحويل الخطاب من قبل الداعية إلى الضد دون إشعار فلم يجدوا ما يشبع رغباتهم الجامحة وعاطفتهم الدينية الجياشة؛ مما سبب تناقضاً لدى فئة كثيرة من الشباب المفعمين بالحيوية والحماس.
فالخطاب السابق الداعي للتطرف كان مدعماً بالأدلة والبراهين من قبل صاحبه، والخطاب الحالي الداعي إلى التسامح والوسطية مدعم أيضاً بالأدلة والبراهين من قبل الداعية نفسه؛ مما جعل هؤلاء الشباب يبحثون عن فكر آخر يشبع رغباتهم العاطفية، لشعورهم بتناقض الموقف دون تفسير أو توضيح لمكامن الخطأ من قبل الداعية.
فاتجه شبابنا إلى فكر آخر أشد فتكاً بالأمة والدين والطون، وهو الفكر الإرهابي «اللادني» المتظاهر بالإسلام والجهاد. فدعاة التطرف سابقاً الداعون إلى الوسطية والتسامح حالياً هم من صنعوا من أبنائنا «كاميكازاي» جددا بما كانوا يبثون من مبادئ الكراهية والتطرف، على الرغم من عودتهم إلى خطاب أقل حدة وتطرفاً، إلا أنهم فشلوا في توضيح أخطائهم السابقة لجيل يشعر بتناقضهم، وبالتالي احتواء الشباب والحؤول بينهم وبين اعتناق فكر التطرف والإرهاب.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved