Thursday 13th november,2003 11368العدد الخميس 18 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

جريمة نكراء جريمة نكراء
صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ *

لا شك أن ما حدث من فاجعة عظيمة ليلة الأحد الماضي في هذا الشهر المبارك الذي فضله الله- جل وعلا- وميزه بإنزال القرآن الكريم هذه الفاجعة فجعت بها نفوس كل المؤمنين بعامة كما فجعت بها نفوس الخاصة الذين يرعون حدود الله- جل وعلا- ويعلمون ما أنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم- ويعلمون الشريعة، ذلك أن هذه الجريمة النكراء التي حصلت في شهر رمضان المعظم وفي ليلة النصف منه هذه الجريمة اخترقت حرمة هذا الشهر الكريم مع ما فيها من موبقات وكبائر وجرائم ومحاربة لله ورسوله لو حدثت في أي وقت وفي أي زمان، لكن تضاعف اثمها وجرمها لكونها في هذا الشهر الكريم، هذه الجريمة من ابشع انواع الافساد في الارض والمحاربة لله- جل وعلا- ولرسوله- صلى الله عليه وسلم- ذلك أن قتل الانفس المؤمنة والانفس المعصومة بعصمة الله- جل وعلا- لها في دمائها واموالها واعراضها من اعظم الجرائم والموبقات بعد الشرك بالله- جل وعلا- وكما هو معلوم أن الشريعة جاءت بالمحافظة على الدين والمحافظة على الانفس والاموال والعقول والاعراض، فمقاصد الشريعة من انزال هذا الدين ومن انزال القرآن ومن بعثة- محمد صلى الله عليه وسلم- ان يكون دين الناس مستقيماً بتوحيده- جل وعلا- وعدم الاشراك به وبالحكم بشريعته وان تكون الانفس محفوظة والدماء محفوظة وان تكون الاموال محفوظة: «ان دماءكم واموالكم واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا»، وان تكون العقول محفوظة وان تكون الاعراض محفوظة هذه التي يسميها أهل العلم وكل من رصد واستقرأ اصول الشريعة يسميها الضرورات الخمس التي حافظت عليها هذه الشريعة في جميع احكامها والله جل وعلا قصد من انزال هذه الشريعة ان يعبد الناس ربهم جل وعلا وحده لا شريك له وان يطيعوا رسله وان يحفظوا فييما بينهم دماءهم واموالهم واعراضهم وعقولهم إلا بحقها، لهذا كان هذا النوع من الافساد والارهاب الذي حصل من فئة ضالة ظالمة باغية تنكبت عن سبيل الرحمن واخذت بسبيل الشيطان هذا الامر ينبئ ويظهر انها مضادة لامر الله- جل وعلا- وأمر رسوله- صلى الله عليه وسلم- ولهذه الشريعة، ولهذا كان واجباً على كل عالم وعلى كل داعية وعلى كل طالب علم وكل خطيب وامام وعلى كل مسلم ان يكون متبيناً لعظم هذا الامر وخطورته وان يكون عالماً وعاملاً لمضادة هذا العدو المشترك فهذه عداوة ظاهرة وحرب ظاهرة للإسلام ولأهل الإسلام في بلد الإسلام وفي هذا الشهر، شهر القرآن العظيم فكيف لا تبكي النفوس وهي ترى أن الدين يخترق وان المقدسات تنتهك وان الشهر المعظم لا يكون له بال عند اهل الإسلام في بلاد الإسلام كيف لا تنتهظ الهمم وتعلو النفوس لمضادة هذا الامر ومضادة فاعلية ونحن نرى ان مقاصد الشرع وان اصول الشرع تنتهك والعياذ بالله لهذا نرى أن اعظم منة بعد التوحيد وإقرار الشريعة على عباد الله- جل وعلا- هي منة الامن ونعمة الامن لهذا جعلها الله- جل وعلا- من نعيم أهل الجنة ومن نعيم أهل الموقف في الموقف فقال- جل وعلا- ممتناً على أهل الجنة بالنعيم فيها:«{ادًخٍلٍوهّا بٌسّلامُ آمٌنٌينّ }، فجعل الأمن والسلامة من خصائص الجنة لأن ماعداها قد يكتنفه غير ذلك من الحزن والمشقة وقال أيضا لأهل الايمان في عرصات القيامة: «{لا يّحًزٍنٍهٍمٍ پًفّزّعٍ الأّكًبّرٍ}، وقال أيضا في شأنهم: {وّهٍم مٌَن فّزّعُ يّوًمّئٌذُ آمٌنٍونّ}، فإذا كان ذلك في يوم القيامة وفي شأن الجنة وشأن الحساب أن الله- جل وعلا- يؤمن الخاصة من عباده فالأمن شأنه عظيم عند الله- جل وعلا- ومنة عظيمة فمن أتى بما يضاد هذا الأمر بسلب الأمن عن أهل الايمان فإنه مضاد للنعيم الذي أراده الله- جل وعلا- لخاصة عباده، ولهذا نرى ان الله جل وعلا لما امتن على عباده ووعدهم بأن يستخلفهم في الأرض وأنهم يعبدونه- جل وعلا- لا يشركون به شيئاً وعدهم ذلك في إطار الأمن والأمان والسلاة فقال سبحانه لهم في سورة النور: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} النتيجة:{ يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)}
فعبادة الله وحده لاشريك له وإحقاق الحق وإقامة الشريعة ودفع الظلم وإقامة العدل هذا لايكون إلا في جو من الأمن وجو من الأمان وجو من السلامة. أما إذا كان الأمر خوفاً أو كان الأمر مضطرباً فالدين نفسه والتوحيد نفسه والشريعة نفسها ستضطرب ولهذا كان الواجب على كل مؤمن يخشى الله جل وعلا ويتقيه ان يحمل المسؤولية في نفسه كل بحسب حاله وخاصة أهل العلم الذين ائتمنهم الله - جل وعلا- على كلمة الحق وعلى أن يقولوا ما يعلمون وعلى أن يدافعوا عن هذه الشريعة وعلى أن يأطروا السفيه على الحق أطراً فإن واجبهم أعظم وواجب المسؤولين بعامة والمسؤولين في الشؤون الإسلامية والقطاعات الدينية بخاصة عليهم ما ليس على غيرهم في هذا الأمر من الإيضاح بالبيان والكلمة وفي المجامع ونحو ذلك، وكذلك على دعاة الإسلام أن يقوموا في ذلك وأن لا يقولوا كلاماً لايفهم من كل وجه بل يجب أن يكون الكلام واضحاً قوياً على شدة هذا الهول الذي حصل والجريمة البشعة التي وقعت حتى تستوعب النفوس العدو المشترك وحتى تستوعب النفوس كيف اخترقت حرمان الإسلام واستهترت بالدين وكان الأمر لعباً بمقدسات هذا الدين العظيم في انتهاك حرماته وشهره، والله أكبر كيف حصل هذا الأمر في ليلة جاء بعدها خسوف القمر فخسف القمر في ليلة الأحد والجريمة وقعت قبل منتصف الليل وهذا مما يعجب لك وتتذكر معه قول النبي - صلى الله عليه وسلم- لما كسفت الشمس في عهده عليه الصلاة والسلام فكان مما قال عليه الصلاة والسلام: ((يا أمة محمد إن الله يغار أن يزني عبده أو ان تزني أمته)) ثم ذكر الخسوف فقال (( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة)) والشاهد من ذلك أن -النبي صلى الله عليه وسلم- في عهده ذكر ان الله يغار في وقوع بعض الكبائر العظيمة مثل أن يزني عبده أو أن تزني أمته فكيف بما هو أعظم من ذلك من قتل الأنفس والاعتداء على الأمن وتخويف الناس وبث الرعب فإن هذا أعظم فغيرة الله على ذلك أعظم وأعظم وأشد وإذا كان كذلك فإنه يجب وجوباً أكيداً على أهل الإسلام ان تكون غيرتهم أعظم وأعظم لأجل أن الله يغار على ذلك فإذا كان الله -جل وعلا- يغار على هذا الأمر فغيرتنا أن تزهق النفوس البريئة أو ان تسفك الدماء المعصومة أو أن تنتهك الحرمة أو أن يعتدى على الأموال ويقتل الأطفال ويقتل النساء ويقتل من ليس له شأن ويأتي الناس في مأمنهم أن تكون غيرتهم أعظم وأعظم، والغدر مذموم في كل حال حتى لو كإن المغدور به عدواً ظاهراً في الحرب فإنه لا يغدر به فكيف إذا كان المغدور به مسلماً كيف إذا كان المغدور به مؤمناً كيف إذا كان الغدر قام على أساس الاعتداء على أهل الإيمان في شهر الله العظيم إذاً أيها الإخوة هذه موبقات يجب على أهل العلم وأهل الكلمة من طلبة العلم والدعاة والخطباء وأهل القلم من الإعلاميين والصحفيين والباحثين أن يقوموا لله - جل وعلا - قيام حق في ذلك والله - سبحانه وتعالى - يقول لعباده: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } والتعاون علي البر والتقوى يكون في هذا الأمر بشحذ الهمم بكلام قوي لا لبس فيه لمعرفة عظم هذا الأمر وخطورته وأن فيه الاعتداء العظيم فالله - جل وعلا - لا يرضى أن تقتل نفس بغير حق الله - جل وعلا - لا يرضى أن ينتهك عرض، أو أن تنتهك الأموال أو أن يعتدى في شهره الكريم العظيم على الناس، إن هذه الجريمة النكراء التي حصلت وما سبقها من جرائم وإرهاب عظيم وإخافة لعباد الله - جل وعلا - واعتداء على الأنفس جمعت منكرات عظيمة وجمعت مضادة للشريعة عظيمة أولها: قتل الأنفس و الله جل وعلا يقول: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)} قتل الأنفس من أعظم الكبائر بعد الشرك بالله سواء كانت الأنفس مؤمنة أو كانت الأنفس معصومة بعصمة الله - جل وعلا - لها وبشرعه مثل أنفس المعاهدين والمستأمنين والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة» ويقول عليه الصلاة والسلام: «من قتل معاهداً فأنا بريء منه» فالنبي صلى الله عليه وسلم برئ ممن يقتل نفساً معصومة، هذه الجريمة التي حصلت وأمثالها أيضاً فيها اعتداء في الحقيقة على الأموال والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا» وقال: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» فإذا كان الأمر كذلك فإن الواجب على أهل العلم وعلى الخاصة من عباد الله وعلى جميع الناس ألا يكون هناك لبس في الأمور كيف يعتدى على الأنفس وكيف يُعتدى على الأموال إن هذه الجريمة أيضاً وأمثالها فيها اعتداء على ما خص الله - جل وعلا - به أهل الإيمان بمنته عليهم في أنه سبحانه حقق لهم الدين بتحقيق الأمن لهم، هذه الجريمة وأمثالها يجب علينا في شأنها أن نكون متعاونين على البر والتقوى متعاونين في كشفها وفي بيان خطورتها وفداحة ضررها وبيان شأن فاعليها وأنهم مجانبون للإسلام بعيدون عن حقيقته معادون في الحقيقة لكلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا يعني كما قد يقوله طائفة ممن لا تفهم لا يعني أنهم ملتبس عليهم الأمر في بعض الجوانب أن يكونوا على عذر في أمرهم فهذا الأمر لا عذر فيه وهو جريمة واضحة، وفاعلها بإجماع المسلمين قديماً وحديثاً مرتكب جرما كبيراً وإرهاباً شنيعاً وذلك من أعظم ما نهى الله عنه وإذا نظرنا للتاريخ فإن التاريخ يعيد نفسه، هل قتل عثمان - رضي الله عنه - من عدو للإسلام خارجي؟ لقد قُتِلَ عثمان من أناس يصلون ويصومون بل يتعبدون و يريدون الخير، قتلوا عثمان الخليفة الراشد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم» قتلوه طلبا للأجر وغيرة على الأمة وغيرة على الدولة بزعمهم فهل من يطلب الأجر في شيء يعذر إذا طلبه من غير الوجه الشرعي أو يقال هؤلاء إخوة لنا كلا وألف كلا.
من قتل علياً رضي الله عنه؟ لقد قتله رجل صاحب قرآن وهو عبدالرحمن بن ملجم يطلب الأجر بزعمه ويتعبد بعبادة عظيمة فهل نيته هذه في طلبه ما عند الله أو طلبه للجنة أو اعتقاده أنه شهيد أو مجاهد في سبيل الله هل هذا جعله على حق أو معذوراً في ذلك الأمر كلا فهو عدو الله عدو لرسوله عدو للصحابة وعدو للإسلام وأهله وما فعل سيصدق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج: «هم كلاب أهل النار» وهذا الأمر جلل وعظيم فيجب علينا ألا يكون لدينا في هذا الأمر تردد في أن نكشفه أو نبين عوار هذه الجريمة النكراء وفساد عمل من قام بها وفساد رأي من يتلمس لهم الأعذار نقوم بذلك في كل محفل في الخطب في محاضرات الدعاة وفي تآليف المؤلفين وفي الصحف وألا يكون ذلك ردة فعل فقط بعد الحدث وإنما نستصحب هذا الأمر حتى يهدي الله جل وعلا هذه الفئة إلى سواء السبيل وتترك ضلالها أو يمكن الله الدولة منها حتى يقام حكم الله جل وعلا فيهم.
أسأل الله جل وعلا أن يرفع لهذه الدولة مناراً وأن يخمد لعدوها نارا وأن يجزي ولاة أمورنا خيراً على ما قاموا به في ظل هذه الظروف العظيمة في العالم من تحكيم كتاب الله جل وعلا وإحقاق لتوحيده والإخلاص له وعن الدفاع عن هذا الإسلام وعن القرآن في جو تعلمون أنتم ما شأنه جواً عالمياً صعباً لكن دولتنا ولله الحمد في كلام مسؤوليها وأفعالها يدافعون عن هذا الدين حامون له حامون للمقدسات يرفعون راية الإسلام ويريدون ذلك وهذا ولله الحمد هو الذي نحن معهم عليه وهو الذي قاموا عليه وهم باقون على ذلك يرفعون راية التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله فيجب علينا أن نأخذ كلمات المسؤولين في الدولة نصب أعيننا دائماً وأن نمتثلها في أعمالنا لأننا وإياهم على الحق والهدى وعلى التعاون والبر والتقوى.
أسأل الله جل وعلا أن يوفقهم وأن يزيدهم رفعة وعلواً وأن يجعل عدونا وعدوهم في سفال إنه سبحانه جواد كريم كما أسأله سبحانه لنا ولكم أن نقوم بالحق أينما كنا أن نقول كلمة الحق وأن نؤدي الأمانة التي ائتمننا الله جل وعلا عليها بأن نقول ما نعلم من هذه الشريعة وفق المصلحة إنه سبحانه هو الموفق وهو المسؤول أن يمنحنا الرشد والسداد في الأقوال والأعمال.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

* معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved