جاءت عمليات التفجير التي شهدتها مدينة الرياض ليلة الأحد الماضي لتزيح كل ستار عن الوجه الحقيقي للإرهاب وليتبدى أمام العالم قاطبة باعتباره عملاً جنونياً لا يعترف بدين ولا إنسان ولا تأخذه رحمة بأحد ولا بلد، الأمر الذي يؤكد من جديد براءة الإسلام كدين وعقيدة من هذا الداء الخطير والحاقد على الحياة.
إن الحملة التي رفعت ضد المملكة شعبا ومعتقدات بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، يتحتم على أصحابها اليوم أن يراجعوا أنفسهم وأن يلتمسوا العذر من شعبنا وعقيدتنا وقيادتنا عندما جعلوا من الثلاثة أركاناً للإرهاب وحمّلوهم مسؤولية ما حدث في الولايات المتحدة يوم الحادي عشر من سبتمبر. فقد برهنت أحداث الرياض الإجرامية أن الإرهاب لا دين له ولا ولاء له ولا شعب ولا سيد، وأن الجميع معرضون للتأذي به وأن الشعب السعودي ودينه وقيادته هم أيضاً مثلهم مثل شعوب العالم وسلطاته يعانون من مخاطر الإرهاب الذي لا يعرف أي حد ولا يقف أمام محذور، وإلا أفما كان حرياً بمن نفذوا هذا العمل الإجرامي ألا يقدموا عليه في بلاد الحرمين، وسرة أرض الإسلام وحاملة رايته، بلى ولكن هذا المنطق إنما يستقيم في عقول من لهم دين أو أرض أو ولاء وهي الأمور التي لا تعرف في عرف الإرهاب وأهله وإنما دينهم ووطنهم وولاءهم للشيطان وما تمليه عليهم عقولهم المريضة. وعليه، فإن ما أقدموا عليه من عمل إنما جاء رغم بشاعته بمثابة صك براءة لشعبنا وديننا وقيادتنا من أي مسؤولية عن الإرهاب العالمي، كما جاء ليفتح أعين العالم على الحقيقة الوحيدة للإرهاب، وهي أنه أعمى وحاقد على الحياة بشتى أصنافها وعلى البشرية بكل مكوناتها، وعلى الأديان والقيم بكل أنواعها. وإن الأمة العربية والإسلامية بثقافتها وتاريخها ودينها الحنيف لم تكن يوما أمة إرهاب ولا أمة ظلم أو قتل أعمى وعشوائي، بل لقد كانت أمة رحمة وحاملة ومبشرة بدين رحمة، دين يجعل قتل النفس ظلماً فظيعاً، بل أكبر كبيرة. إن قتل نفس واحدة في منظور الدين الإسلامي يعني قتل الناس جميعاً، وإحياءها يعني إحياء الناس جميعاً.
ولذا، فإن الإرهاب الممارس اليوم باسم الدين وبحثا'ً عن الحقوق، لا يريد أصحابه إلا تشويه الدين وإهدار الحقوق. وقد جاءت تفجيرات الرياض ومن قبلها تفجيرات مكة لتؤكد هذه الحقيقة ولتفتح أعين العالم خاصة الحاقد منه على الأمة ودينها، على حقيقة مفادها أننا في أرض الإسلام وفي دين الإسلام نتأذى شأننا شأن غيرنا من الإرهاب، وأننا نرفض شأننا شأن غيرنا كل صنوف الإرهاب، وأننا نبذل كل وسع لدينا لمحاربته والقضاء عليه، وأننا كلما حاولنا إقناع الآخر برأينا حول الإرهاب لم نجد لديه إلا الرفض والصد وكأننا نقتل القتيل ونمشي في جنازته.
والآن وقد اتضح صدق ما كنا ننادي به، فهل سيتقبل هذا الآخر براءتنا ديناً وأمة وقيادة من مسؤولية الإرهاب، وأن يعمل معنا بصدق من أجل اجتثاث هذا الداء والقضاء عليه؟
إن القضاء على الإرهاب ينبغي أن يكون مجهود الجميع منسقا وممنطقا ونعني بالمنسق ألا يكون انتقائياً أو مرحليا، ونعني بالممنطق أن يبحث الجميع بصدق عن المسببات ومن ثم العمل على إيجاد علاج ناجع لها. ونحن نرى أن القضاء على الإرهاب يمر حتما عبر القضاء على أسبابه لأن القضاء على هذه الأسباب سيمنع الإرهابيين من أي عذر يتحججون به للإقدام على أعمالهم. ونرى أن ذلك يمر عبر إنهاء الظلم الممارس في فلسطين وفي مناطق عديدة من أرض المسلمين، إضافة إلى العمل من طرف كل دول العالم للقضاء على الفقر والتهميش. هذا من الجانب المتعلق بمسببات الإرهاب في عمومه.
أما بخصوص وجوده في المملكة، فإن شعبنا وقيادتنا وبهدي مستنير من ديننا الحنيف، وملتنا السمحة، سيتوصلان إلى الدواء الأنجع للقضاء على هذا الداء المرعب. وفي انتظار كل هذا، لا بد لنا من إبداء الملاحظة التالية بخصوص ضعف جهود الشركاء الدوليين في تنسيق جهودهم لمكافحة الإرهاب والذي يتبادر للمرء في ملابسات العمليات الإرهابية التي شهدتها المملكة. فالتحذير الذي أصدرته الإدارة الأمريكية لرعاياها في المملكة وإقدامها على غلق ممثلياتها الدبلوماسية والقنصلية، ليقينها بحصول عمليات إرهابية وشيكة، لم يكن إجراء أمنياً كافياً، إذ كان ينبغي أن يتزامن معه تقديم معلومات كافية حول أسباب هذا الإجراء وخلفياته، والمعلومات المستند إليها، وعدم دقة مسألة التنسيق وتقديم المعلومات الاستخباراتية الكافية، لا يخرج في نظرنا عن احتمالين: الاحتمال الأول أن يكون أمر الضجة التي أثارتها أمريكا بخصوص الأحداث المتوقعة مسألة عشوائية ودعائية صدقتها الصدفة وهو أمر مستبعد. والاحتمال الثاني أن يكون الأمر حقيقياً وصادراً عن معلومات مؤكدة وعندها يصبح لدينا الحق في التساؤل، لماذا لم تبلغ الإدارة الأمريكية إلى السلطات السعودية كل المعلومات عن هذه العمليات؟ وذلك من أجل إحباطها والحيلولة دون وقوعها! ومن هنا يكون ما حدث لا يخرج من احتمالين، إما أن الإدارة الأمريكية تركت العمليات تتم دون إبلاغ السعودية بالمعلومات اللازمة قبل وقوعها، ويكون ذلك نوعا من التشفي أو لأسباب أخرى واضحة لا فائدة من ذكرها. وفي الاحتمال الآخر، هل لا يعني ذلك أن العمليات من تدبير عملاء استخبارات أجنبية وجدوا في الجماعات المتطرفة وفي مدارك الشباب البسيطة ضالتهم للقيام بهذا النوع من الأعمال من أجل إدخال السعودية في الصف الأول من المتضررين من الإرهاب ومن ثم خلق نوع من هز المصداقية والثقة بين فرقاء الحياة المدنية في المجتمع السعودي، ومن ثم كذلك إيجاد نوع من البلبلة وعدم الاستقرار في المملكة تحضيرا للقيام بمخططات أجنبية تستهدف زعزعة الأمن في المنطقة العربية وسلب ثرواتها إضافة إلى ما يمكن أن يؤول كل ذلك من تحقيق للمصالح الإسرائيلية. وهذا الاحتمال تحدثت عنه بعض الصحف الأجنبية كصحيفة «الإندبندت» Independent البريطانية التي تحدثت عن نظريات تشير إلى تورط «السي آي إيه» (C.I.A)، والموساد في اعتداءات الرياض.
ومهما يكن من أمر فإننا نود أن نبرز هنا أنه مهما كانت حقيقة ما وقع والمقصود منه، فإن المملكة قادرة بحنكة ولاة أمرها وبفطنة شعبها وثقته في حكامه وتشبثه بدينه السمح، على تفويت الفرصة على كل أعدائها في النيل من استقرارها وسكينتها ودورها التاريخي في قيادة الأمة الإسلامية ورعاية مصالحها، وسترفع التحدي بما يقيم الحق والعدل ويشفي صدور قوم مؤمنين.
( * ) نائب المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم
|