* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي البلهاسي:
لعل عمليات المقاومة الاخيرة والتي سجلت اعلى معدل لها منذ سقوط بغداد كان محصلتها اقناع الجميع بأن واشنطن تكافح الغرق في المستنقع العراقي او فيما وصف بانه فيتنام اخرى وذلك بعد ان بدأت المقاومة تصعيدا واسعا وشاملا ضد الاهداف الأمريكية وغيرها من الاهداف والعناصر المتعاونة معها وبآلية جديدة اظهرت ان المقاومة دخلت مرحلة جديدة بتنويع الاساليب التي تستخدم ضد الاهداف المختلفة مع مرونة عالية في الوصول إلى الاهداف ايا كان موقعها او التحصينات المحيطة بها وهو ما اظهرته عمليات اسقاط طائرة بلاك هوك قرب تكريت يوم 25 اكتوبر الماضي وقصف فندق الرشيد باكثر من 15 صاروخا اثناء اقامة بول ولفوتيز نائب وزير الدفاع الأمريكي وهو ما اسفر عن مقتل كولونيل أمريكي واصابة 15 اخرين وكذلك حملة التفجيرات ضد مراكز الشرطة العراقية الجديدة التي تتهمها المقاومة بالعمل لصالح الاحتلال.
وتوجت هذه العمليات باعلان يومي السبت والاحد 1 و 2 نوفمبر يومين للمقاومة وكان يوم الاحد 2 نوفمبر يوما أسود بالفعل للقوات الأمريكية حيث سقط فيه 23 قتيلا منهم 16 جنديا من القوات الخاصة اثر اسقاط طائرتهم وهي من طراز شينوك بصاروخ ارض جو محمول على الكتف اضافة إلى عشرات الجرحى وهي العملية التي قيل انها ستحدد المستقبل السياسي لبوش ولم تكد الولايات المتحدة تفوق من صدمة الشينوك حتى اسقطت المقاومة المروحية الثالثه خلال اسبوعين لتقتل 6 أمريكيين هم كل طاقم الطائرة .
هذه العمليات المتعاقبة والموجعة خلال تلك الفترة القصيرة اصابت الأمريكيين بتخبط وارتباك شديدين وصدر اعتراف أمريكي صريح بالعجز في مواجهة هذه المقاومة فيما واجهت ادارة الرئيس بوش ضغوطا كبيرة بسبب الزيادة الكبيرة في عدد القتلى الأمريكيين في العراق حيث افادت احصاءات صدرت عن البنتاجون بأن الخسائر في الارواح في صفوف القوات الأمريكية في العراق منذ اندلاع الحرب بلغت اكثر من ثلاثمائة وتسعة وسبعين قتيلا من بينهم مائة وثمانية وثلاثون منذ اعلان الرئيس بوش انتهاء المعارك الرئيسية في العراق في الاول من مايو الماضي بينما بلغ عدد الجرحى الفا وثمانمائه واثنين وخمسين جريحا وجاء في الاحصائية ان عدد القتلى في صفوف القوات البريطانية بلغ اثنين وخمسين جنديا
اعتراف بالهزيمة:
ويبدو ان المقاومة العراقية قد نجحت في ضرب الكبرياء والغرور الأمريكي في مقتل وذلك بعد ان توالت تصريحات المسئولين في الادارة الأمريكية والتي اكدت صعوبة الاوضاع التي تواجهها أمريكا في العراق او ما وصفه البعض بالاعتراف بالهزيمة وتحت ضغط عمليات المقاومة تراجع بوش عن اعلانه في مايو ان العمليات انتهت وان المهمة انجزت واعترف بوجود مشكلات تواجهها القوات الأمريكية هناك مشيرا إلى ان الامر في حاجه إلى المزيد من الوقت للتغلب على هذه المشكلات واقر وزير دفاعه دونالد را مسفيلد بصعوبة الاوضاع في العراق وقال بعد عمليات الاحد واسقاط الشينوك انه على الأمريكيين ان يتوقعوا اياما حزينة اخرى في حرب صعبة وطويلة ولاول مرة منذ بدء العمليات العسكرية في العراق يعترف بول وولفوتيز نائب وزير الدفاع الأمريكي بأن عمليات المقاومة العراقية تعرقل عمليات اعادة الاعمار وتحت وطاة زيادة الهجمات وافق بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق للمرة الاولى على تشكيل قوة امن بقيادة عراقية لمطاردة عناصر المقاومة وهو الذي كان صاحب قرار حل الجيش العراقي وهو ما يمثل انقلابا في المواقف الأمريكية بسبب زيادة عمليات المقاومة.
ووصف عدد من السياسيين الأمريكيين والمراقبين سياسة الولايات المتحدة في العراق حاليا والتي تقضي باحلال قوات عراقية محل القوات الأمريكية لتجنب المزيد من الخسائر في قواتها ونقل سلطات الحكم إلى اهل البلد بانها عرقنة وتشبه إلى حد كبير الاستراتيجية التي اتبعتها الولايات المتحدة للخروج من فيتنام في عام 1975 وقال المراقبون ان زيادة الهجمات ضد القوات الأمريكية وارتفاع اعداد الضحايا من الأمريكيين والعجز في احراز تقدم على الارض فيما يتعلق بتحقيق الاهداف الأمريكية في العراق يدفع ادارة بوش حاليا إلى سرعة الخروج من العراق خوفا من تزايد الخسائر البشرية ولذلك تلجأ إلى زيادة الاعتماد على العراقيين وتسحب الأمريكيين تدريجيا.
قلق الانتخابات:
الوضع في العراق ينعكس بطبيعته على الوضع داخل أمريكا خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية عام 2004 واحتدام الجدل بين بوش ومعارضيه حول الملف العراقي الذي اصبح سلاحا قويا في يد المعارضين يمكن ان يطيح بادارة بوش ويدرك الرئيس الأمريكي بوش ان الوضع في العراق هو الذي سيحدد مصيره هو وادارته في الانتخابات القادمة خاصة وان الامر لا يتوقف على الحملات التي يشنها ضده معارضوه بسبب العراق بل يتخطاه إلى معارضه شعبية واسعة وسخط في اوساط الرأي العام الذي تشير استطلاعاته إلى تراجع شعبية بوش بسبب المأزق الذي تواجهه القوات الأمريكية في العراق.
في هذا الاطار بدأت مجموعة تضم حوالي 600 من اسر العسكريين الأمريكيين حملة لحث اعضاء الكونجرس والرئيس بوش على اعادة هؤلاء الجنود إلى أمريكا وهو ما دفع بعض اعضاء الكونجرس إلى مطالبة بوش باعادة بعض الوحدات إلى الولايات المتحدة وعلى الصعيد ذاته شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن في الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي تجمعا حاشدا ضم الالاف القادمين من 145 مدينة أمريكية للمشاركة في اول مظاهرة احتجاج واسعة النطاق على سياسة أمريكا في العراق كما اظهرت استطلاعات الرأي المتكررة تراجع شعبية بوش بسبب الوضع في العراق حيث جاء في استطلاع حديث نشرته مجلة نيوزويك ان اكثر من نصف الأمريكيين ( 51 % ) يعارضون سياسة بوش في العراق وهي اعلى نسبة تسجل منذ بدء العمليات العسكرية في العراق كما اظهر الاستطلاع ان 50 % لا يريدون اعادة انتخاب بوش ورأت غالبية من 53 % ان الادارة الأمريكية لم تعد خطة لما بعد الحرب فيما رأى 60 % ان واشنطن تنفق الكثير من الاموال في هذا البلد واعرب 75 % عن خشيتهم من ان تغرق واشنطن في العراق لسنوات طويله كما رأى 54 % ان جنودا اكثر مما يجب ارسلوا إلى العراق وانهم يجب ان يعودوا، وربما تخدم هذه الاجواء التي خلقتها عمليات المقاومة العراقية في الشارع الأمريكي منافسوا بوش من الديمقراطيين الذين يكثفون الضغوط حول بوش وادارته بسبب الملف العراقي خاصة الجنرال المتقاعد ويسلى كلارك الذي يعد المنافس الاقوى لبوش حتى الان حيث اظهرت استطلاعات الرأى ان الفارق ضئيل بينه وبين بوش اذ حصل كلارك على 45 % مقابل 48 % لبوش في حين ما زال 7 % مترددين بين الاثنين وقد استغل كلارك سلسلة الهجمات الاخيرة للمقاومة العراقية على القوات الأمريكية وما احدثته من سخط في الشارع الأمريكي ليعلن عن تعهده بانه اذا فاز في الانتخابات الرئاسية فسيقوم بتغيير الاستراتيجية الأمريكية في العراق وسوف يستبدل سلطة التحالف المؤقته التي تدير شئون البلاد حاليا بمجلس يحمل اسم المجلس العراقي للديمقراطية واعادة الاعمار وسوف تنحصر مهمة هذا المجلس في تدويل الاحتلال وضم ممثلين للدول التي تؤيد جهود بناء العراق الديمقراطي إلى المجلس واقترح كلارك تغيير الحاكم المدني بول بريمر وتعيين اخر غير أمريكي لتفادى اظهار الأمريكيين في صورة المحتلين للعراق.
من ناحية اخرى حذر خبير في حملة بوش الانتخابية من احتمال تراجع شعبيته اذا اتفق الديمقراطيون على مرشح واحد لخوض معركة الرئاسة القادمة وذلك بسبب تركيز وسائل الاعلام على ذلك المرشح لعدة اسابيع الامر الذي يمكن ان ينعكس على استطلاعات الرأي ومع احتدام المنافسة بين الديمقراطيين والجمهوريين يبقى الرأي العام الساخط على الوضع في العراق هو الحكم وهو الذي سيحدد مستقبل بوش وادارته وهو ما يلقى بالمزيد من العبء على ادارة بوش لتقديم خطوات ملمومسة نحو تحسين الوضع في العراق لكسب الرأي العام وربما تطرق الامر إلى عودة الجزء الاكبر من القوات الأمريكية إلى امريكا ولكن اذا استمرت المقاومة العراقية على نفس وتيرة التصعيد التي تمت مؤخرا فلن يكون امام الادارة الأمريكية سوى الاختيار بين البقاء في العراق او البقاء في البيت الابيض .
|