معدودة المواقف التي غضب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمعظمها إن لم تكن كلها كانت في أمور تتصل بانتهاك المحارم وحقوق الناس المعنوية والمادية.. وكان من أكثر الذين غضب عليهم رسول الله «صلى الله عليه وسلم» الأئمة الذين يطيلون على الناس في الصلاة.
يروي أبو مسعود: قال رجل: يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الفجر مما يطيل بنا فلان فيها، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيته غضب في موضع كان أشد غضباً منه يومئذ، ثم قال:«يا أيها الناس إن منكم منفرين، فمن أم الناس فليتجوز فإن خلفه الضعيف والكبير وذا الحاجة» «البخاري 704».
وقد وردت أحاديث كثيرة تؤكد هذا المعنى منها ما رواه أبوهريرة ان رجلاً صلى خلف معاذ بن جبل فوجده يقرأ سورة البقرة أو النساء فلم يطق الرجل فاشتكى الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: لمعاذ: «يا معاذ أفتان أنت؟» «ثلاث مرات» وعجب منه ان لم يقرأ قصار السور وقال صلى الله عليه وسلم:«فلولا صليت بسبح اسم ربك، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى فإنه يصلي وراك الكبير والضعيف وذو الحاجة» «البخاري 705».
ومع ذلك فإن بعض الأئمة يطيلون على الناس في بعض الصلوات المفروضة مثل صلاة الفجر، وفي السنن مثل صلاة التراويح في رمضان الأمر الذي يجعل الكثير من المصلين يهربون من الصلاة في المساجد المجاورة لهم الى مساجد أخرى بعيدة، وقد يحرم هؤلاء الأئمة بعض الناس من الصلاة نفسها فيتقاعس المصلي عن الخروج الى المسجد مبكراً حتى تفوته عدة ركعات في صلاة التراويح فتفوته بذلك صلاة الفريضة في جماعة بسبب هروبه من اطالة الإمام، وهناك من يجدها ذريعة فيترك صلاة التراويح تماما اتباعا لهوى في نفسه. أما كبار السن فما أكثر ما رأيتهم في مساجد «الإطالة» يتململون من التعب أو يستريحون بين الركعات أو يناوبون بين الصلاة جلوساً والصلاة قياماً.
والسؤال: لِمَ هذا كله؟
أتباعاً لرغبة الإمام الذي يخاف نصاً صريحاً وأمراً واضحاً من رسول الله الذي أرسله ربه رحمة للعالمين؟ لماذا يعسرون وهذا الدين يسر؟
ولماذا يشقّون على الناس ونبيهم وقدوتهم صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما أنا رحمة مهداة» «الدارمي 15 مرسلاً».
وقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته كلها محذراً من الغلو في كل شيء قائلاً:«بعثت بالحنيفية السمحة» «أحمد 21788» و«خير دينكم أيسره» «أحمد 15506». وما أكثر ما ردد «القصد القصد تبلغوا» «البخاري 6463» و«عليكم هدياً قاصداً» «البيهقي في السنن الكبرى 4519».
لهذا قال لهم «خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا» «البخاري 5862».
ومهما تكن حجج هؤلاء المعسّرين المغالين سواء في العبادة أو أي أمر من أمور الدين التي يسرها الله رحمة بعباده فإنها جميعا تسقط أمام ما ورد في صريح كتاب الله وصحيح سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما الاطالة على الناس في الصلوات المفروضة أو النافلة إلا نموذج من عدم مراعاة مقتضى الحال في العبادة، وهي نوع من أهم أنواع التعامل مع الناس.
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أشفق على أصحابه من الاطالة وغضب غضباً شديداً وهم أصحاب الايمان الراسخ كالجبال الذي فتحوا به كل الدنيا، فكيف يكون الحال مع مسلمي اليوم؟!.
|