Thursday 13th november,2003 11368العدد الخميس 18 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

استفهامات استفهامات
د. فوزية عبدالله أبو خالد

أفتح الكمبيوتر لأكتب هذا المقال، وما زال صداع الشقيقة يشق عظام جمجمتي ولم تجد محاولات تهدئته منذ أن فككت الريق إلى هذه اللحظة القريب أذان الفجر بكل مسكنات الطب الشعبي من «أبو فاس إلى عصبة الراس» فضلاً عن فشل المسكنات الطبية بكبسولات الماركات التجارية المتداولة لوقف الألم أو سواها وصفات الطب البديل في التخفيف من حدة ذلك الضغط الرهيب على أعصاب نصف وجهي.. ومع ذلك أشعر أن الكتابة شكل من أساليب الاستشفاء الذي علي ألا أفرط بوصفته السحرية المجربة حيث إن عدم الالتزام بموعدي الأسبوعي قد يزيد من سوء حالتي لو أنني تخليت عنه بغير إرادة رئيس التحرير.
وعندها لن أعاني من وجع الرأس وحده، بل سيضاف إليه وخز الضمير، وليس هناك وجه مقارنة بين الوجعين أو على الأقل فإن المتعودين على مكابدة الكتابة ومكابرتها يعلمون ان احلى الخيارين مر. هذا مع الاعتراف ان كل المواضيع التي كنت أفكر في طرح أحدها في مقال اليوم تحتمل التأجيل إما لأنه طالما أجل أن لم يكن تجنب الحديث فيها من قبلي وقبل غيري من متعاطي الكتابات الملحاحة، أو لأنه طالما جرى التطرق إليها حتى صار القارئ بحاجة لأخذ إجازة طويلة من الحديث عنها أو لأن غيري من الكتاب قد تناولها بطريقة كفتها ووفتها، وأريد العودة إلى طرحها من باب المؤازرة والتذكير بها عل الله يقيض لها من يحلها.
وهنا وإن كنت بطبيعة الحال سأكتفي بطرح واحد من تلك المواضيع فلا بأس من إعطاء عينة من بعضها الآخر التي أرجو ألا أكون من حيث لا أريد أعمم عدوى صداعي بالتعرض لذكرها، وهي تتمثل في القائمة الناقصة التالية من الأسئلة:
* سؤال يفطر القلوب والعقول معا طرحته إحدى كاتبات جريدة البلاد الأخت مها الغامدي عن قصة أم أبلغت الجهات المختصة عن إدمان ابنها للمخدرات، فما كان منهم إلا أن أوقفوه في الحجز فترة زمنية، ثم أعيد إليها بدون علاج بسبب عدم توفر مكان شاغر في المصحة العلاجية، فصارت مصيبة الأم مصيبتين. مصيبة عدم علاج ابنها ومصيبة جبهة العداوة التي فتحتها معه، وهو في تلك الحالة الصعبة. فمن بيده مفاتيح الحل؟
* سؤال طرحته جريدة الرياض عن تلك الطفلة التي فقدت حياتها نتيجة خطأ طبي أدى إلى تلوث دمها. فمن المسؤول؟
* سؤال لا أستطيع ابتلاعه وان كفتني صحيفة الأندبيندينت اللندنية والنييورك تايمز الأمريكية مؤونة الخوض فيه مؤقتاً بنقدهما اللاذع للموقف الأمريكي الأخير، وهو سؤال بأي حق نصب الرئيس بوش في خطابه الخميس الماضي أمام صندوق الوقف القومي للديموقراطية نفسه وصيا على الديموقراطية فأخذ يوزع صكوك الغفران والاتهام لدول المنطقة باستخدام ذلك المسمى النبيل دون أن يتذكر للحظة واحدة الانتهاكات التي تمارسها إسرائيل لأبسط حقوق الإنسان على أرض فلسطين، ومنها قتل راشيل الفتاة الأمريكية والقنص الذي يمارسه جنوده يوميا لطائر الحرية وهم يفرطون أجنحته على الطرقات باقتحامهم المنازل العراقية وترويع الأطفال فمن نلوم؟
* أسئلة تفجيرات منتصف ليلة الأحد 14رمضان 1424هـ:
ربما يكون في اختيار البدء بهذا الموضوع ما يكشف بعض أسباب صداعي، فقبل أن نحاسب أنفسنا جميعا حكاما ومحكومين عن المشاهد المروعة لأولئك الأطفال السابحين في دمائهم البريئة بمقياس العقل والضمير تأتي المقولات الإعلامية وغير الإعلامية الجاهزة عبر الشاشات والصحف أو المجالس لتحرمنا من نعمة طرح الأسئلة ومحاسبة النفس عما يجري لنا فمن جازم بأن أمريكا وراء الحادث وأن ما يجري لنا مؤامرة خارجية تستهدف تتبيعنا، وليس لنا من ناقة فيها ولا جمل، إلى قاطع بأن ما حدث ردة فعل يائسة من قبل من قاموا بالتفجير بعد نجاح الأمن السعودي في تعقب عدد من تلك الفلول المسلحة التي كانت تستهدف زعزعة الاستقرار الاجتماعي، إلى مؤكد بأن ما يحدث هو من صنع «خفافيش الظلام» و«طغمة فاسدة» وما شابهه من تشبيهات وتعبيرات قد تسهم في التنفيس عن الخوف والغضب العام من وتجاه ما يجري ومثل هذه المواقف التي تكتفي بالتعبيرات العاطفية في التعليق على الحدث قد تحد من المساحة التي نحتاجها للتساؤل عما يحدث لئلا يتكرر حدوثه، ولئلا تتسع رقعة انتشاره.
إننا في مواجهة الموقف مواجهة عقلية تعالجه آنيا واستراتيجيا ولا تكتفي تطمين الخواطر بحاجة -والله أعلم- إلى أكثر من قصائد وكتابات تتغنى بحب الوطن وتؤكد الولاء وتشهر التبرؤ أو مقالات تكتفي بالتنديد والوعيد. فهناك عدد كبير من الأسئلة التي تدور في أذهان الكثيرين منا وإن لم تجد طريقها بما يكفي إلى الواجهة الإعلامية.
وعلينا أن نلاحظ أننا في سياق هذه اللحظة الحرجة نحتاج إلى طرح عدة أنواع من الأسئلة.
فمثلاً هناك ذلك النوع من الأسئلة المتعلقة بتطوير وعي سياسي عند الشباب وبإعطائه مشروعية ضمن المنظومة الاجتماعية القائمة مما لا يجعلهم ينظرون إلى المسألة السياسية كنوع من العمل الممنوع المحفوف بأحاسيس الإثارة والمغامرة. وفي إطار ذلك يصبح من غير الخطير التساؤل: من هم هؤلاء الذين يقومون بالتفجيرات؟ هل لهم هوية سياسية، وما هي بأي هدف يفجرون أنفسهم ويتحولون هم أنفسهم إلى سلاح لقتل أبرياء من الأطفال والرجال والنساء؟ هل لهم مطالب محددة أم أنهم يحترفون القتل للقتل.
إن التسامح في تداول هذه الأسئلة وسواها من الأسئلة المتعلقة بالموضوع يساعدنا كمجتمع كما يساعد الشباب الصغار على التعرف على مواقع أقدامهم قبل أن يجدوا أنفسهم لا سمح الله على طرقات لم يبصروا بمغباتها.
إن السؤال السياسي شئنا أو أبينا يلقي بظلاله على الحدث والسماح بطرحه بصورة عقلانية وعلنية بما يخلق وعياً سياسياً إيجابياً وثقافة سياسية واضحة خير للمجتمع وفئاته الشبابية ليستطيع التمييز بين الاتجاهات ومعرفة المعتدل من المتطرف.
أما النوع الآخر من الأسئلة التي نحتاجها فهو سؤال المسؤولية التي نتحملها كمجتمع عما حدث ويحدث أي المراجعة ونقد ومحاسبة الذات وعدم قبول ذلك التوجه الذي يحاول كل منا أن يلقي فيه اللوم على كاهل طرف آخر، هذا بالإضافة إلى سؤال دورنا في إيقاف حمامات الدم قبل أن يصبح لكل منا نصيب من ويلاتها كما حدث -لا سمح الله- في مواقع قريبة وبعيدة أخرى. ومن يتابع بعض الكتابات المجتهدة في الصحف وخصوصاً بعد تفجيرات مجمع المحيا لن يعدم رغم التوجه العام للطروحات الجاهزة من أن يجد سيلاً من الأسئلة التي يجدر بنا التوقف عندها وطرح المزيد منها.
فالمسألة كما قال بعض الزملاء لا تحتمل ذلك الصمت السالب الذي لا تحركه إلا بيانات وزارة الداخلية.
وهي كما قال آخرون ليست وليدة اللحظة الراهنة أو معزولة عن السياق الاجتماعي والسياسي للمجتمع بتشكيلاته المتعددة وحركة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الداخلية والإقليمية والعالمية على الأقل في الربع الأخير من القرن العشرين. وبالمعيار التساؤلي نفسه يكون التساؤل هل يكمن الحل وضمان الاستقرار في التعامل مع الموقف أمنيا وحسب أم لابد من التعامل معه كمسألة وطنية متعددة الأبعاد بما فيها البعد الثقافي والقانوني والمجتمعي ككل.
النوع الثالث من الأسئلة هو ذلك النوع الذي مفتاحه سؤال ما العمل؟ ما هي السبل السلمية الممكنة التي يجب ألا نألو جهداً في طرقها وبمشاركة مختلف القوى الاجتماعية لئلا ندخل في دائرة العنف المتبادل الذي اكتوت بفواجعه مجتمعات مجاورة.
لا شك أن تلك أمثلة محدودة على كم وكيف الأسئلة التي نحتاج لطرحها. لعل الله يجعل لوطننا مخرجا بما يعزز لحمة الوحدة الوطنية ويديم علينا نعمة الاستقرار والسلام. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved