كلنا نعلم ما يجري في العالم الإسلامي من ظلم وقهر وقتل وتشريد، وكلنا يرى حالة الضعف والتقهقر والهوان التي حلت بالمسلمين وكلنا يشعر بأن هذا الذي يحدث ما هو إلا نتيجة حتمية لخلل موجود ومشكلة مدلهمة ولكن السؤال الذي أود طرحه هنا يقول: إذا كان هناك خلل فما هو وما سببه وهل يعقل أن هذا الخلل هو السبب الوحيد لما يحدث للمسلمين في الأقصى والشيشان وأفغانستان والعراق وإندونيسيا والفلبين.. الخ.
أقول وبالله التوفيق وعليه التكلان أن مشكلتنا كبيرة جدا لأنها تتعلق ببعدنا عن عقيدتنا ولو أننا تنبهنا لها ولم نهملها وعملنا على رعايتها الرعاية التامة السليمة وجعلناها في أرواحنا مكان القلب من الجسد وفي قلوبنا مكان الروح من البدن وتكاتفنا على حفظها وحمايتها ولم يستحوذ على حجانا تفكير الفلاسفة التائهين والنقاد المغرضين لما كان ما كان من ضعف بعد قوة وهوان بعد عزة ونظرة إلى سفاسف الأمور بعد النظر إلى معاليها.
ألا ترون معي- أعزائي القراء أن المشكلة الكبيرة هي في أنفسنا نحن المسلمين لما ابتعدنا عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو ما ترون ما فعلته هذه الدنيا الفانية بنا مع أن «{كٍلٍَ مّنً عّلّيًهّا فّانُ><ر26ر> $ّيّبًقّى" $ّجًهٍ رّبٌَكّ ذٍو پًجّلالٌ $ّالإكًرّامٌ><ر27ر>} [الرحمن: 27] ، أما استشعرتم الهجران الكبير لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم {$ّقّالّ پرَّسٍولٍ يّا رّبٌَ إنَّ قّوًمٌي \تَّخّذٍوا هّذّا پًقٍرًآنّ مّهًجٍورْا><ر30ر>} [الفرقان: 30] .
سبحان الله.. هل يستحق منا قرآننا وسنة نبينا كل هذا الصدود والجفاء؟ ما بال هذه الدنيا زادتنا عنهما بعدا وانشغالا؟.. ماذا نقول لرب الأرباب ومسبب الأسباب يوم البعث والنشور يوم الحساب وهو الذي قال لنا:«اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» ماذا نقول لمربي البشرية وخير البرية محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وهو الذي قال لنا:«تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك»، وقال «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لم تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي» رواه الإمام مالك، ووصله أحمد والحاكم وغيرهما وهو حديث صحيح.
يا ترى هل يستشعر كل واحد منا هول ما نحن فيه من البعد والجفاء عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتقصير في الرجوع إليهما في الأزمات والنكبات؟؟.
أحبتي في الله..
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:«{$ّلّن تّرًضّى" عّنكّ پًيّهٍودٍ $ّلا پنَّصّارّى" حّتَّى" تّتَّبٌعّ مٌلَّتّهٍمً قٍلً إنَّ هٍدّى پلَّهٌ هٍوّ پًهٍدّى" $ّلّئٌنٌ \تَّبّعًتّ أّهًوّاءّهٍم بّعًدّ پَّذٌي جّاءّكّ مٌنّ پًعٌلًمٌ مّا لّكّ مٌنّ پلَّهٌ مٌن $ّلٌيَُ $ّلا نّصٌيرُ><120>} [البقرة: 120] . في هذه الآية الكريمة نجد درسا ربانيا عظيما نستفيده من المدرسة الإلهية التي لا ينضب معينها ولا ينقطع زلال مائها، المدرسة التي خرجت لنا صفوة الخلق من الأنبياء والرسل والصحابة والتابعين ومن بعدهم بإحسان إلى يوم الدين. ولكن هذا الدرس في الآية الكريمة لايراه ولا يسمعه ولا يعيشه واقعاً حياً إلا من تأملها فأحسن التأمل وخشع في تلاوتها فأجاد فن الخشوع الذي لا يجيده كثير من الناس وتتبع تفاسير العلماء الأجلاء لها فازداد بذلك نوراً على نور ثم يربطها بالواقع الذي يراه ويسمعه في كل وقت وفي كل حين عندها سوف يجد بتوفيق الله ومنته البرهان القاطع والبيان الناصع على شمولية هذا الدين ومعايشته لجميع أحوال المسلمين سواء في الاقتصاد أو السياسة أو الحرب والسلم..الخ.
وحتى نثبت القول ونرسي الدعائم دعونا نتأمل جميعا الآية السابقة بخشوع وتمعن:«{$ّلّن تّرًضّى" عّنكّ پًيّهٍودٍ $ّلا پنَّصّارّى" حّتَّى" تّتَّبٌعّ مٌلَّتّهٍمً قٍلً إنَّ هٍدّى پلَّهٌ هٍوّ پًهٍدّى" $ّلّئٌنٌ \تَّبّعًتّ أّهًوّاءّهٍم بّعًدّ پَّذٌي جّاءّكّ مٌنّ پًعٌلًمٌ مّا لّكّ مٌنّ پلَّهٌ مٌن $ّلٌيَُ $ّلا نّصٌيرُ}، ولنربطها بما نراه ونعايشه كل يوم من أحداث سياسية ومن قتل وتشريد واضطهاد جلي واضح لحقوق الإنسان المزعومة، بعد الرجوع إلى بعض كتب تفسير كتاب الله الكريم.
يقول ابن كثير - رحمه الله- في تفسير هذه الآية الكريمة: وليست اليهود يا محمد ولا النصارى براضية عنك أبدا فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق.
وقوله: {قٍلً إنَّ هٍدّى پلَّهٌ هٍوّ پًهٍدّى"}، أي قل يا محمد إن هدى الله الذي بعثني به هو الهدى يعني: هو الدين الصحيح الكامل الشامل. {$ّلّئٌنٌ \تَّبّعًتّ أّهًوّاءّهٍم بّعًدّ پَّذٌي جّاءّكّ مٌنّ پًعٌلًمٌ} ، الآية فيه تهديد ووعيد شديد للأمة عن اتباع طرائق اليهود والنصارى بعد ما علموا من القرآن والسنة عياذا بالله من ذلك «فإن الخطاب مع الرسول والأمر لأمته».«1».
أقول: لو كانت طوائف اليهود وغلاة النصارى - أصحاب التوجه الصليبي الحاقد- تريد الصلح والسلام مع المسلمين لما استباحت بلادهم وأراقت دماءهم بلا حق ولو أننا نحن المسلمين- تمسكنا بقرآننا وديننا ولم نستبدل برضا الله رضا أهل الكفر والحضارة الرجعية، ولو أننا تسابقنا إلى دعوتهم إلى الإسلام واجتهادنا في بيان عظمته لما كنا على ما نحن عليه الآن من الضعف أمام أعدائنا.
ويقول العلامة ابن سعدي- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:{$ّلّن تّرًضّى" عّنكّ پًيّهٍودٍ $ّلا پنَّصّارّى" حّتَّى" تّتَّبٌعّ مٌلَّتّهٍمً قٍلً إنَّ هٍدّى پلَّهٌ هٍوّ پًهٍدّى" }، يقول: يخبر تعالى رسوله، أنه لا يرضى من اليهود ولا النصارى، إلا باتباعهم دينه، لأنهم دعاة الى الدين الذي هم عليه، ويزعمون أنه الهدى فقل لهم: إن هدى الله الذي أرسلت به هو الهدى.
وأما ما أنتم عليه فهو الهوى بدليل قوله «{$ّلّئٌنٌ \تَّبّعًتّ أّهًوّاءّهٍم بّعًدّ پَّذٌي جّاءّكّ مٌنّ پًعٌلًمٌ مّا لّكّ مٌنّ پلَّهٌ مٌن $ّلٌيَُ $ّلا نّصٌيرُ><120>}، فهذا فيه النهي العظيم عن اتباع أهواء اليهود والنصارى والتشبه بهم فيما يختص به دينهم، والخطاب- وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمته داخلة في ذلك، لأن الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطب، كما أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب«2».
أحبتي القراء: إن عزتنا لا تتحقق إلا بتمسكنا بهذا القرآن وهذا الدين ولا عزة ولا رفعة لأمتنا إلا بالتزامها بعقيدتها الناصعة الخالصة، وكما ترون من خلال التتبع اليسير لآية في القرآن وتفسيرها تبين لنا منهج القرآن الواضح في التعامل مع اليهود والنصارى، فهلا امتثلنا لأمره ومشينا في طريقه المخضر اليانع حتى ننعم بالسيادة والريادة والقوة والعزة والنصر والظفر على أعدائنا ونكون كما كان سلفنا الصالح عندما جعلوا منهجهم في السلم والحرب كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهلا أرهفنا السمع للقرآن وهو يقول: {أّفّلا يّتّدّبَّرٍونّ پًقٍرًآنّ أّمً عّلّى" قٍلٍوبُ أّقًفّالٍهّا} (محمد: 24).
إننا بهذا التدبر للقرآن، والفهم لآياته نستطيع أن نتحاور مع الآخرين حوار بيان وإيضاح ودعوة إلى الحق، وأن نواجه أداء الإسلام والسلام مواجهة الشجعان الذين لا يخافون إلا الله. دعوة للتأمل أدعو بها نفسي قبل أن أدعوكم فما أحوجنا إلى الإجابة.
«1» تفسير القرآن العظيم لابن كثير «ج1ص168 ط التاسعة 1417هـ».
«2» تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام الرحمن «ج1 ص85ط الأولى 1415هـ». |