Wednesday 12th november,200311367العددالاربعاء 17 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الفتوى الفتوى
د. زكريا بن يحيى لال

يبدو أن التصريح بالافتاء بدأ يشكل خطورة كبيرة في المجتمع العربي والإسلامي، فهل نحن في مرحلة متغيرة من التحول الى نوع جديد من الارهاب الفكري الدخيل على ما هو موجود بكتاب الله سبحانه وتعالى؟ وما جاء به رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه؟ ثمة ظاهرة او قد نقول عنها معاناة؟! أو قد تصل الى حد التفرغ لشتم الناس وتوجيههم الى قضايا أخرى عن طريق ما يصدر مما يسمى «افتاء» أو فتوى ويوزع على الناس عبر مختلف الوسائل من غير المؤهلين؟ فهل هذا هو أقسى منحدرات الفكر في العالم العربي والإسلامي؟!.
وللأسف الشديد فنحن نسمع بين كل يوم وآخر من قام بفتوى؟! ونقرأ لمن اصدر فتوى؟ ونسمع بأن فلاناً أفتى؟ وكان آخر من أصرّ على الافتاء المنفرد هو احد الاعضاء في دائرة علماء الازهر الذي حرّم مجلس الحكم العراقي؟! فهل وصل البعض الى هذه الدرجة بأن يُحرّم ويُحلل حتى في مجالس الحكام؟ على كيفه؟ وفي حدود أفكاره حتى لو كانت هامشية او انهزامية؟ او بعيداً عن المنطق والعقل اللذين يحكمان مصير الناس؟ وخاصة المسلمون منهم؟! إننا نتساءل من هذا المنطلق؟ اوقد يبدو لنا في الافق حقيقة الإمكانيات العظيمة التي كان يتمتع بها البعض من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم علماً وخلقاً وأدباً ومع ذلك كان لا يجرؤ أحد منهم بإصدار أي فتوى أو أي حكم ضد احد، ما يمسّ المجتمع إلا بعد فحص ودراسة تبدأ من علم رسول الله بما عرفه من القرآن الكريم!! وحتى يمكن ان تصدر الفتوى لا بد من المشورة والجماعية العالمة، والمتفقهة بما يتعلق بأكثر او بعض الأمور التي تعالج الكثير من قضايا المسلمين وهمومهم؟! وكان كل من الشيخ حامد الغزالي، والشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ علي الطنطاوي، والشيخ الشعراوي وغيرهم من أئمة العلم وكبارها في كل البلاد العربية والإسلامية ابتداء من الازهر في مصر والحرمين الشريفين في المملكة العربية السعودية الى غيرهم من كبار العلماء لا يصدرون فتوى إلا بعد مراجعة فاحصة، ودقة متناهية بعد العودة الى كتاب الله وسنة نبيه الكريم ودراسة ما يستجد عن مرونة، وعن توجيه وعن فكر ثاقب، وعن اتزان يُصلح ابناء الأمة، بحيث لن يكون عائقاً في طريقها لأي اصلاح يعدل من السلوك، ويقوّم من الاعوجاج او الانحدار لما لا يرضاه الخالق عز وجل حتى تتم تلك الرؤياء او الفتوى لأنها اذا ما صدرت سوف تحد مصير أمة بحاله؟!
لقد بات كل واحد منا في جميع الدول العربية والإسلامية يعاني من تعدد الفتاوى، وعدم توحيدها وهي اقرب الناس الى تحقيق الشرع، وغاب عن هذا البعض بأنهم بهذه الفتاوى الناقصة سوف يدمرون أمة بحالها، وسوف يعرضوها للاستهزاء والسخرية من الأمم الأخرى؟
والواقع أن الذي يستمع الى خطب بعض أئمة المساجد في عالمنا الإسلامي ليرى العجب من الإصدارات الخاصة من بعض الشباب الذي يدعي العلم وهو يخاطب الناس ويحرّم على مزاجه، ويكفر البعض، ويحلل لما يهواه او حسب معرفته؟ وهكذا يختلط الصحيح بالخطأ، ويبرز الخطأ دون الوصول الى الصحيح في ظل هذا التخبيط والعشوائية مما عكس وجهة البعض الى الابتعاد عن الفتوى، وعدم الانصياع لها، فهل يصح الدعاء بمزيد من الهلاك للذين ماتوا من جراء الحرارة في فرنسا؟ وكيف يمكن ان يخاطب إمام مسجد مجموعة من الناس في المسجد وهو يهدر، ويزجر، ويصرخ بأعلى صوته لكي يزعج خلق الله، بدلاً من اتخاذ المنطق والهدوء والكياسة في مواجهة تلك الشريحة؟!
ولماذا يتجه بعض أئمة المساجد الى الحكم بتكفير من يراسل الاجانب او صحبتهم؟! هكذا نسمع؟ وهكذا نقرأ عن اللون السائد للبعض من هؤلاء الأئمة؟ والذين لم يجدوا من الجهات المسؤولة في دولهم التوجيه والارشاد؟
إن الخطورة هنا تكمن في النشء الذي يسمع، ويصغي لهذا البعض وهو يفتي، بل يصدر احكاماً رعناء قاسية وكأنه يوزع الناس الى فئات وطبقات منهم من سيذهب الى الجنة ونعيمها، ومنهم من ستأخذه الريح الى جهنم؟! هكذا يتقوّل هؤلاء في المساجد على مستوى العالم الإسلامي بلا اكتراث لخطورة المواقف التي سوف تنعكس سلباً على الناشئة في حياتهم القادمة؟!
إن الحكمة من الفتوى في سلامتها بأن تكون مصدر خير، ومرونة للمسلمين في تسجيل خطواتهم نحو الأمان من أي عقوبة من الباري عز وجل، ولذلك يجب على المسؤولين في الدول الإسلامية إعادة النظر في البعض من هؤلاء الأئمة، وقد أحسنت وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية بتأكيدها على إعادة تأهيل الأئمة، علماً وتدريباً وتعاملاً واخلاقاً في شكل دورات تدريبية، آمل من المسؤولين في الحكومات العربية والإسلامية الأخذ بالصحيح في اصدار الفتوى وبشكل جماعي بحيث تصدر من هيئة كبار العلماء فقط، والتشديد والتتبع لأي فتاوى غير صحيحة وبالتالي القيام بتفنيدها.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved