* الرياض - الجزيرة:
استقبل معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ بمكتبه في الوزارة صاحب السمو الأمير الدكتور بندر بن سلمان بن محمد المستشار بديوان سمو ولي العهد ورئيس لجنة الدعوة في أفريقيا، وأعضاء اللجنة.
وفي بداية اللقاء، ألقى معالي الوزير الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ كلمة ابان فيها أن هذا اللقاء يأتي ضمن مناشط الملتقى الثاني عشر لهذه اللجنة الموفقة، وقال: لا شك أن تجدد هذا اللقاء في هذا الوقت في هذا الشهر الكريم من كل عام يبعث في النفوس الهمة على أن تعرف الواقع من خلال «المداولات والمشاورات وتبادل الرأي يما بين الأخوة الدعاة، ثم أن تتخذ الموقف الصحيح السليم؛ ليكون العمل منسقاً جماعياً متفقاً على أطره التي في الاتفاق عليها، والعمل على ضوئها المصلحة الأكيدة، وهذه من المهام الرئيسية لهذه اللجنة «لجنة الدعوة في أفريقيا» وما يهدف إليه سمو رئيس اللجنة، ونحن في الوزارة نتعاون معهم على ذلك.
وأوضح معاليه أن من مهام هذه اللجنة ومن مهام مثل هذه الملتقيات أن يكون هناك أولاً معرفة بالواقع الذي نعيشه والتحديات الكبيرة التي تواجه الأمة وتواجه الدعوة بخصوصها، وإذا عرفنا هذا الواقع وهذه التحديات فستنبعث الهمة؛ لقبول تداول الرأي، حتى يمكن أن يخرج بأعمال موحدة، والأمر الثاني من مهام هذه اللجنة أيضاً أن يكون هناك التنسيق الكافي بين العاملين في حقل الدعوة في أفريقيا بخصوصها حتى تتوحد الجهود ويكون العمل متقارباً ومنسقاً سواء في جانب الدعوة أو جانب التعليم أو جانب تبادل الخبرات والاستفادة من الدعاة في بلد لبلد آخر، أو في الملتقيات أو الدورات، أو نحو ذلك من مناشط هذه اللجنة.
وواصل معاليه القول: والأمر الثالث من الأهداف أن يكون هناك ارتباط وثيق بين المتميزين في الدعوة وقادة الجمعيات، وبعض المفتين في أفريقيا ليتبادلوا أيضاً وجهة النظر، ويدرسوا المسائل الشرعية، حتى يصدروا عن رأي واحد وعن قول واحد يعتمده الجميع مشيراً إلى أن أعضاء اللجنة هم نخبة من العلماء والدعاة من أفريقيا لذلك لا بد من مناقشتهم في كل سنة في موضوع من الموضوعات سوف يكون بالحتمية نتائج علمية رصينة سيكون من أثرها الوعي الكافي والعلم الكامل بهذه القضايا المطروحة.
ولفت معالي الوزير آل الشيخ النظر إلى أن موضوع هذا العام «الارهاب وموقف الإسلام منه» من أهم الموضوعات التي تصب في هذا الصدد، وقد يكون هناك موضوعات طرقت في الملتقيات السابقة يكون هناك فيه وضوح فيها بشكل أو بآخر مع الدعوة أو الإعلام وأثره، أو عن الدعوة الإصلاحية أو بعض الموضوعات التي سبق وأن نوقشت قد يكون هناك عند كثير من الدعاة إلمام بأرضية الموضوع وأسس الموضوع وسمعوا عنه كثيراً لكن موضوع هذا العام الإرهاب وموقف الإسلام منه موضوع مهم يحتاج منكم إلى جد وجلد في تصوره وفهمه وتبادل الرأي فيه حتى يكون الجميع منه على بينة.
وفي هذا السياق، نبه معاليه إلى أنه لا يسوغ بحال أن يتكلم الدعاة في هذا الموضوع الجلل بآراء مختلفة أو بعدم رؤية ناضجة قوية في شأنه فهو موضوع الساعة بل موضوع هذه السنين والمسلمون يعانون منه فما اتلفت الأنفس والأموال أنفس المسلمين وأموالهم إلا بسبب الارهاب، وما ضُيق على المسلمين، وصار عليهم من التحديات اليوم ما صار إلا بسبب الارهاب، وما انحسر مد الدعوة شيئاً وضاق ميدان الانتشار، انتشار العمل الإسلامي الخيري والدعوي والارشادي إلا بسبب هذا الارهاب، وما ترددت نفوس كثيرة في كثير من المواقف إلا بسبب هذه الشُّبه التي يطرحها الإرهابيون وما ضعفت أنفس وتشككت، وربما أحبطت إلا بسبب وجود هذا الداء العضال لذلك كان من القضايا المهمة التي تطرح هذا الموضوع.
ورأى معاليه أن اللجنة والأخوة القائمين عليها وفقوا في اختيار هذا الموضوع لكن بقي الأمر عليكم في أن تكونوا جادين في التعامل مع ما سيطرح من أوراق ومناقشات وأن يكون هناك استيعاب كامل لهذا الموضوع من الجهة الشرعية أولاً: في أسسه وأحكامه، وطرق العلاج، وواجب الدعاة، ثم من الجهة الواقعية في تصور واقع الإرهاب، في تصور أسبابه، وفي تصور آثاره، في تصور مواقف الدعاة منه، ثم ثالثاً في معرفة كيف التعاون مع الجميع في رد هذا الأمر سواء كان تعاوناً مع المسلمين أو مع غير المسلمين، لأن «الحكمة ضالة المؤمن إذا وجدها فهو أحق بها».
وواصل معاليه القول: «إذا كان الأمر كذلك فإن هذا الموضوع أراه في غاية الأهمية في هذا الوقت بالذات ولا بد أن يتصور شرعياً، وإذا كانت البحوث ستقدم في ذلك فلا يمنعني أن أضيء إضاءات يسيرة فيما يتعلق بذلك هي عبارة عن نقاط عامة يمكن أن تكون مداخل لفهم هذا الموضوع، أولاً: ينبغي أن نعرف أنه لا مشاحة في الاصطلاح، من الناس من يقول: الارهاب منه ما هو مذموم، ومنه ما هو ممدوح ويعنون بذلك الارهاب المذكور في قوله: {تٍرًهٌبٍونّ بٌهٌ عّدٍوَّ اللّهٌ وّعّدٍوَّكٍمً}، ولكن ليس الشأن فيما جاء في القرآن، لأن هذا معروف في بابه، ولكن هذا مصطلح جديد له معنى خاص، فلا يصلح أن نقسمه بالاعتبار الشرعي، وإنما نقول معناه كذا باعتبار الواقع، حتى لا يأتي للنفوس شيء من الاشتباه في هذا الأساس، الإرهاب في القرآن قد يكون معناه تخويف العدو اخافة ا لعدو بحق ونحو ذلك، وهذا معروف بما نص الله - جل وعلا - عليه، لكن الارهاب المذموم هو تخويف الناس، أو الاعتداء عليهم بغير وجه حق هذا مضادّ لما كان مقصداً من مقاصد الشارع، لأن مقاصد الشارع مقاصد الله - جل وعلا - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الدين، ومن الشريعة يكمن في أشياء ستة، خمسة منها هي الضروريات المعروفة «المحافظة على الدين، المحافظة على النفس، المحافظة على المال، المحافظة على العقل، المحافظة على النسل أو العرض»، السادس مما هو من مقاصد الشريعة العظيمة المحافظة على الأمن.
)لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ) (الانبياء:102) )لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (الانبياء:103) }، لذلك امتن الله - عز وجل - على خاصة عباده في الدنيا بأنهم من نتائج اتباع الشريعة، ومن نتائج الالتزام بما جاء به النبي - صلي الله عليه وسلم - والاستجابة لدعوة الإسلام أن يكون هناك أمن لهم فقال الله جل وعلا واعداً هذا يدل على عظم هذه المنة : {)وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) } نتيجة ذلك، {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} فإذاً عبادة الله وحده لا شريك له وتحكيم هذه الشريعة هي نتيجة لهذه الأشياء والتي منهاوجود الأمن، فإذا اختل هذا الأساس بالتخويف فإنه لن تكون هناك النتيجة حاصلة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وتحكيم الشرع، ونحو ذلك، وتبادل المنافع والمحافظة على الضروريات.
وشدد معاليه على أن في الارهاب والاعتداء على الدين في الارهاب الاعتداء على الأنفس، في الارهاب الاعتداء على المال في الارهاب الاعتداء على العقل، وفي الارهاب الاعتداء على الأعراض والنسل، فإذاَ كل مقاصد الشرع من التشريع كل مقاصد نزول هذا الدين، تجدها جميعاً ومضادة في الارهاب، فالارهاب ضد ما أنزل الله - جل وعلا - وضد هذه الشريعة من أساسها، ولهذا نرى في الحكم أن الذين يُخيفون السبيل، ويقطعون الطريق نص في القرآن علي حكمهم بأنهم {أّن يٍقّتَّلٍوا أّوً يٍصّلَّبٍوا} ، وسمي هذا الحد بحد «الحرابة»، قال تعالى {(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)} الآية..
وقال معاليه: ومما نص فيه على أنه محاربة، هو الإفساد في الأرض بسلب الأمن: {(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً )}، بالتشريع وبسن هذه الشرائع، وبهداية القلوب، وبإقامة الدولة.. الخ الهدف من ذلك احقاق الأمن وتأمين الأنفس فجاء هؤلاء المفسدون محاربين لله ورسوله في مراده الشرعي، فلذلك سموا محاربين لأن الله يريد في مقصده من التشريع وفي اقامة الاستخلاف في الأرض، وفي إحقاق الحق، وفي اقامة العدل يريد الأمن للناس، وهؤلاء يضادونه، فهم محاربون في الحقيقة لله ولرسوله هذه إضاءة.
وجدد معاليه التأكيد على أن الإسلام ليس فيه التعاون على الإثم والعدوان، والتعاون على الإثم والعدوان هذا قد يكون تعاوناً على الإثم والعدوان في سائر المعاصي، وأعظمه أن يكون تعاوناً على الإثم والعدوان فيما قصدت الشريعة نفيه، وما قصد الإسلام طرده، وما قصد الإسلام البعد عنه وهو إحالة الناس والاعتداء عليهم في دينهم، وأنفسهم، وأموالهم وأعراضهم، وعقولهم، وأمنهم.
وواصل معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد قوله: ولذلك فإن الارهاب على هذا النحو مضاره عظيمة لتشريعات الإسلام العظيمة، فالتعاون إذاً على الإثم والعدوان يكون على أنحاء، منها أن يكون هناك والعياذ بالله اشتراك مع هؤلاء بأي نوع من الاشتراك، ومنها أن يكون هناك تساهل، أو الرضا بهذا العمل بأي أنواع من الرضا، فإذا هو رضي بما هو محاربة لله ولرسوله، مشيراً إلى أنه في المعاصي العامة من غاب عن المعصية فرضيها كان كالحاضر فكيف بهذا الجرم العظيم الذي هو محاربة لله ولرسوله في مرادهم الشرعي.
وأبان معاليه أن من مراتب التعاون على الإثم والعدوان في ذلك أن يكون هناك قول «لا علاقة لي بالموضوع»، هذا لا يمكن أن يقوله عالم، أو طالب علم، أو داعية أن يقول هذا أمر لا علاقة لي به، متسائلاً معاليه بقوله: إذاً ما مسؤولية تحمل أمانة الكلمة؟ ما مسؤولية تحمل قول كلمة الحق؟، ما مسؤولية العالم والداعية في البيان كل بحسب حاله؟ أين هذه المسؤولية؟ إنما تكون هذه المسؤولية عند من أتقى الله - جل وعلا -، وجاهد من حاد الله - جل وعلا - في أمر في هذا الأمر الجلل الذي فيه اعتداء على الدين، والأنفس، والمال، والأعراض، والنسل، والأمن.
وحث معاليه الجميع على أن يكونوا علماء بهذا الأمر، مشيراً معاليه إلى بعض الموضوعات التي تستجد ربما لا يكون عند كل أحد البصر فيها من جهة ربطها بالأصول الشرعية، ومعرفة الأحكام، وما يترتب عليها ثم اتخاذ الموقف على ضوء ذلك، لكن يجب علينا أن نكون نحن بمجموعنا لدينا بصر، ومعرفة علمية راسخة دقيقة بهذا الأمر في معناه وفي تفصيلاته الشرعية، وفي أحكامه، وهذا مما سيتحقق لكم - إن شاء الله تعالى - في هذا الملتقى، في هذه البحوث، ويجب أيضاً أن نبحث بعد ذلك وقبله، وأن يكون فرصة لمعرفة هذا الأمر بالتفصيل حتى يكون الدعاة على بينة من هذا الأمر بتفصيل.
|